استقبلت الجاليات العربية والإسلامية في مونتريال رمضان هذه السنة، بمشاعر الحزن والألم والفرقة على خلفية ما ينتاب أوطانها الأم من حروب وإرهاب وخراب ودمار وتهجير وانتقال عدوى هذه المآسي إلى المغترب، وما فيه من انقسامات واصطفافات طائفية ومذهبية.

فالجالية اللبنانية تتوزعها الولاءات المذهبية بين مؤسساتها الدينية، والجالية المصرية تعيش حالة من القلق نتيجة الحوادث الدراماتيكية التي تجرى بين حين وآخر... والجالية العراقية تعاني من هواجس التفجيرات الإرهابية شبه اليومية، فيما الجالية السورية المنكوبة بأبنائها وأرزاقها ينشغل اللاجئون حديثاً إلى كيبيك بتدبير أمورهم وترتيب أوضاعهم ومواجهة تحديات التأقلم والاندماج في المجتمع الجديد.

ومع أن شهر رمضان لم يكن يحظى أساساً في كندا بالمظاهر الاحتفالية المعروفة في العالمين العربي والإسلامي، فإنه يحافظ على رمزية تلك الاحتفاليات داخل المؤسسات الاغترابية التعليمية والدينية والثقافية والتجارية. فقبيل حلوله تمتلئ مخازن التموين الكندية والاغترابية بشتى أصناف المواد الغذائية والمأكولات والحلويات والمشروبات التي تستورد خصيصاً للمناسبة. وتكتظ المساجد والمراكز الدينية بالصائمين في ساعات الإفطار. وتقام فيها المآدب العامرة طوال أيام رمضان. وتتحول قاعاتها إلى ندوات للوعظ والإرشاد ومحاضرات تطرح فيها شؤون الجالية وشجونها. وتختتم الأمسيات الرمضانية باحتفالية البذل والعطاء وجمع التبرعات والصدقات، ويتنافس الصائمون على تزكية أفطاراتهم بما تجود أنفسهم من مال ينفق على مشروعات للجالية.

وخارج هذه الأجواء الروحانية، تنهمك مؤسسات إعلامية كندية بمتابعة الصائمين للتعرف إلى أجواء رمضان وشعائره وتقاليده، فتستضيف رجال دين ومثقفين وطلاباً وصغاراً للوقوف على ما يعيشونه في هذا الشهر.

وعبّر رئيس وزراء كندا جاستن ترودو عن سعادته بالمشاركة في مائدة إفطار رمضانية مع سياسيين مسلمين، ونشر فيديو لهم خلال تناول طعام الإفطار الذي كان من بينه التمر وورق العنب.

وقال ترودو في بيان تهنئة بمناسبة شهر مضان، إن «المسلمين من كندا وحول العالم بدأوا رحلة روحية لمدة شهر من الصوم والصلاة»، وأضاف: «خلال شهر رمضان، يصوم المسلمون خلال ساعات النهار لزيادة صبرهم والتقرب من الله، والكرم تجاه من هم أقل حظاً».

وتابع:«انه وقت للتجمع، عندما يدعو المسلمون الجيران والأصدقاء لتبادل ما لديهم أثناء وجبة الإفطار وتلاوة الصلوات معاً، وتشجيع بعضهم البعض على عمل الخير».

وفي هذا الشهر أيضاً تجتمع الروابط الطلابية في الجامعات الكندية وتنهمك في تحضير الإفطارات اليومية ووضع البرامج الروحية والاجتماعية والثقافية التي يشارك فيها طلاب وأساتذة كنديون.

ونظّمت بعض الهيئات الكندية والإسلامية «حملة العطاء» الهادفة إلى جمع التبرعات المالية والغذائية وتوزيعها على اللاجئين السوريين المقيمين في مونتريال والمدن الكندية الأخرى. وتستمر الحملة حتى الخامس من الشهر المقبل، وغطتها وسائل إعلام عربية وكندية ومساجد ومؤسسات دينية واجتماعية وإسلامية. وساهم في تنظيمها ناشطون ومتطوعون كنديون ومسلمون. وجمعت الحملة، كما تقول «سفيرتها» في كيبيك شهد سلمان، في اليومين الأول والثاني لانطلاقتها أكثر من 150 ألف دولار. ومن المقدر أن تنتهي بجمع مئات الآلاف، كما تقول المحامية الكندية المسلمة كولين بيل فلور، إذ أن حملة جمع التبرعات لا تقتصر على المسلمين وإنما تشمل غير المسلمين أيضاً، كما لا يستفيد منها اللاجئون السوريون المكفولون من حكومة كيبيك أو من بعض المؤسسات الاغترابية أو الإنسانية أو بعض الميسورين الكنديين.

وإلى جمع التبرعات، تتولى «بنوك الطعام» (يبلغ عددها في كيبيك 20 مؤسسة وفروعها نحو ألف في المدن الكندية) توزيع الغذاء، كما يقول مديرها العام في كيبيك زكا ريشا، على اللاجئين السوريين بصرف النظر عن انتمائهم إلى دين أو جنس أو عرق.