&علي ناجي الرعوي

الإصرار الإيراني على تعكير صفو شعيرة الحج والعبث بأمن وسلامة الحجيج والسعي إلى شق الصف الإسلامي ليس منفصلاً أو مبتوراً عن سياسة خلط الأوراق التي أضحت من التوجهات العامة لإيران الاثني عشرية حيث بات من المعروف انه وكل ما اشتد الخناق على تيار (المعممين) في هذا البلد عمد هذا التيار الى تخفيف الضغوط التي تحيط به في الداخل باختلاق أزمة مع هذا الطرف او ذاك بهدف إشغال الرأي العام الإيراني وحرف أنظاره بعيداً عن معاناته اليومية وهمومه المتكاثرة والتي تتصاعد يوما بعد يوم بفعل استشراء عوامل الفساد والفقر واللا مساواة واللا استقرار.

ولذلك فليس سرا ان تكون هذه العوامل بتداعياتها المؤثرة على الواقع الإيراني هي الدافع من وراء موقف طهران الرافض تحييد شعيرة الحج عن التسييس مع ان أدعياء (المهدوية) الذين أطلقوا على إيران بعناصرها الثلاثة السلطة والإدارة والاقتصاد يدركون تماما أن عظمة شعيرة الحج هي في وحدة الحجيج كما لا يجهلون أيضا أن من أهم مقومات الالتزام بإخوة الدين ورابطة الإسلام إبعاد الحج عن النزاعات والمهاترات والتعصب الطائفي والمذهبي خصوصا وان هذه الفريضة قد ظلت على الدوام مؤهلة للعب دور الجامع بين المسلمين بمختلف ألوانهم وأجناسهم وطوائفهم ومذاهبهم.

نسرد هذه الوقائع ونحن من لا يغيب عنا ان إيران التي لا يمكن إخفاء هويتها المذهبية الشيعية فضلاً عن افتراقها عن الهوية القومية لمنطقة المشرق العربي هي من عملت خلال السنوات الماضية على استخدام شعيرة الحج للترويج لفكرها الاثني عشري الذي يضيق بالآخر ولا يعتبر أخا في الدين والعقيدة بل انها من وظفت مواسم الحج لصالح معركتها ضد العرب والمسلمين من المذاهب الأخرى وتحت إيقاع ذلك التوظيف الفج فقد تسببت في الكثير من الحوادث والإضرار التي لحقت بمعشر الحجيج كان آخرها ما حصل في العام الماضي لكنها هذا العام سعت من وقت مبكر الى اختلاق أزمة مع المملكة بشأن القواعد الناظمة لموسم الحج وذلك من أجل الهروب من أزماتها في الداخل الإيراني والتي تظهر اليوم شاخصة من خلال التوترات المتفاقمة وحالات الإنهاك المجتمعي من سياسات نظام الملالي وظهور الجيل الرابع من الثورة الإيرانية والذي يرفض البقاء محشوراً في زجاجات الخرافات المصطنعة ويبحث عن الحرية والعدالة والحق في حياة كريمة.

ومن خلال ما سبق نستنتج أن إيران التي تجد نفسها مكبلة بأزمات متمايزة عن سابقتها ربما رأت في اقتراب موسم الحج فرصة للتغطية على تلك الأزمات بإشعال أزمة مصطنعة عن طريق الإصرار على تسييس شعيرة الحج وجعل ذلك مبرراً لها للتملص من مسؤولياتها تجاه شعبها في ظل الانقسام العميق داخل دائرة المحافظين المؤثرة في مؤسسات النظام الكبرى التي تشمل المرشد، الحرس الثوري ، قوات التعبئة، الأجهزة الإعلامية وكذا الانقسام الحاصل في الجذور العقدية والمذهبية للاثني عشرية وهو الانقسام الذي قد يصل حد تقويض سلطة ولي الفقيه الذي يعتبر نفسه نائب المهدي والمسؤول الأول عن التواصل معه.

لقد كان واضحاً أن الهدف من هذا الإصرار على تسييس فريضة الحج هو الوصول الى غايات وأبعاد لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالإسلام او بشعيرة الحج وأمام ذلك فان السكوت على استغلال هذه الفريضة لأمور تسيء لمقاصدها لا يجوز على الإطلاق وبالتالي فمن حق البلد الذي يعنى بتنظيم مناسك الحج أن يتمسك فعلاً بالقواعد التي تحافظ على سكينة من يؤدون هذه الشعيرة كما أداها رسولنا الكريم والتابعون وآباؤنا وأجدادنا على مر التاريخ حتى لا تتحول مناسك الحج إلى وسيلة لتحريك مكامن الفتنة والكراهية والانقسام بين أبناء الأمة الإسلامية بدلاً من أن تكون باعثاً على وحدة هذه الأمة كما أرادها الله سبحانه وتعالى.