&عبدالله العلويط& &&

حلا الإسلام من الإنسانية في الممارسة، وتحول إلى مجموعة نظم تمارس لذاتها منزوعة عن القيم التي تتضمنها

يعبر عن "الإسلام بلا أخلاق" بعبارة "إسلام بلا مسلمين"، وهي وصف لواقع المسلمين الذين يلتزمون بأحكام الإسلام الظاهرة أو الشكلية أو القانونية مع إغفال جانب الأخلاق والعلاقة الإنسانية بشكل عام. وطالما تساءل الناس عن سبب هذا الفصام ولماذا لم ينهض الإسلام بأتباعه، ولو قمنا بمحاولة بحث لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الفصام فلن يكون غريبا أن نقول إن هذا الفصام يمتد لعدة قرون سابقة تسببت به كتب الفقه القديمة وليس وليد اللحظة.

فطريقة صياغة الروايات عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وطريقة صياغة الأحكام الفقهية القانونية هما ما تسببا بهذه الفجوة، لأنها تأتي على شكل أوامر صارمة ومباشرة كأوامر الساسة، ومن لم يتقيد بها فهو مخالف بطريقة تشبه مخالفة القوانين تماما، إلى أن خلا الدين من الأخلاق ومن الإنسانية في الممارسة، وتحول الإسلام إلى مجموعة نظم تمارس لذاتها منزوعة عن القيمة التي تتضمنها. والسبب أن تلك الصياغة لا توحي بأن هناك قيمة تحويها.

فلو بسطنا الفكرة بمثال وسألنا عالما من أتباع الماضي عن رجل باع ملحا بملح متفاضلا لقال إنه مرابي ثم أسقط عليه آيات الربا القرآنية ليصبح بهذه التراتبية من أكبر العصاة، ولو سألت نفس العالم -ولا أقول واعظا أو رجل شارع وإنما عالم- عن رجل يرفع سعر سلعة ضرورية يحتاجها الناس لقال إن تصرفه سيئ أو مناف للأخلاق كمسقطات العدالة التي تذكر سابقا، ولكنه لن يصبح كبائع الملح المرابي في وصفه له مع أن هذا التاجر هو من أضر بالناس وبائع الملح لم يضر أحدا، خاصة وأنه سلعة كمالية، ولو سألناه عن تاجر اشترى أراضي ليتخلص من السيولة النقدية ليهرب من الزكاة ولم يجد هذا العالم وفق الأحكام القانونية القديمة ما يجعلها من عروض التجارة فإنه لن يجعله آثما في مقابل شخص لم يدفع بقرة كزكاة لثلاثين بقرة أو أخرج الزكاة قيمة أو قللها إلى 2%، فإنه سيجعله أكثر إثما من الأول الذي حرم آلاف الفقراء من أموال زكاته الهائلة، وسيسوق على الثاني آية الكنز المشهورة. ولو سألناه عن شخص يكثر من الزواج والطلاق وآخر تزوج مرة واحدة بلا ولي لجعل نكاح الثاني فاسدا وإثمه أشد، وأما الأول فأنكحته صحيحة، وهلم جرا من هذه التناقضات التي يعج بها مشهدنا الفقهي، وكل هذا يخبرنا بجلاء عن سبب تحول الإسلام إلى قوانين بلا أي قيمة معاشة، وبالتالي تلاشي الأخلاق وكثرة الأسئلة الفرعية التي نسمعها في برامج الإفتاء.

لو أتينا إلى قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "المفلس من يأتي يوم القيامة بصيام وصلاة وزكاة ولكنه شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا". ومثلها غش هذا وارتشى من هذا واحتكر عن هذا، فسنجد أنه معيار حقيقي ينسف كل معيار اتخذناه في تقييم التدين والصلاح، وعلى رأسها الالتزام بمئات الأحكام المتناثرة في كتب الفقه أو مئات الروايات الموجودة في كتب الحديث، فهو ينبئنا عن معنى التدين الحقيقي ويضع مقياسا دقيقا له وهو العلاقة مع الإنسان في مقابل العبادات، فإذا كانت هذه الأركان العظمى لا قيمة لها في مقابل الإنسانيات فما بالنا بتلك الأحكام والروايات، فكيف نجعلها مقدمة عليها أو حتى موازية لها في تقييم البشر في الدنيا؟ وكيف نجعل من التزم بها هو المتدين، والآخر ذو تدين ناقص، والأسوأ أن يقال الأفضل أن تجمع بين الاثنين لأن هذا سيجعل القيم والإنسانيات محتاجة لها أو تلك الأحكام مزاحمة للقيم، فتضيع بينها كما هو حاصل الآن، وإنما الأفضل أن يقال إن حصلت الأحكام القانونية قد تفيد صاحبها وإن تركت فلا يضر.

ما سبق تحليل لفشل محاولة الوصول للقيم والأخلاق من خلال الدين، أي لماذا لم يقم الدين بتقريرها مع أننا نعتقد أنه الباعث الوحيد على الالتزام بها، بل إنه الموجد لها، أما سبب غيابها في المجمل فيعود لضعف الأنظمة وغياب القدوة وبناء الإنسان عقليا وفكريا، وأسباب أخرى لا يتسع المقال لذكرها.