يحيى الأمير
لا تزال الصدمة الكبرى التي خلفها حادث قتل الشقيقين لوالدتهما ومحاولة قتل والدهما مهيمنة في الشارع السعودي، ليست أول حوادث قتل الأقارب، لكنها الأكثر بشاعة وحدة وإيلاما.
السلاح الذي تستخدمه داعش ليس فقط تلك الأجساد المفخخة ولا الأحزمة الناسفة، السلاح الأبرز يتمثل في بعث أكثر الجوانب قتامة في المدون الفقهي وأبعدها عن الواقع وهي في ذات الوقت الأقل تعرضا للبحث والنقد وإعادة القراءة.
داعش تحاربنا بالفقه التقليدي أولا، ليس فقط على مستوى الأحكام الفقهية القديمة بل وعلى مستوى الأدوات، أدوات الاستدلال والاستنباط.
استهداف رجال الأمن واستهداف المساجد والحسينيات وقتل الأقارب كلها لم تحدث فقط بسبب وجود علل نفسية أو أزمات اجتماعية لدى من قاموا بها، المبرر الأبرز والدافع الأكبر لارتكابها أن ثمة رأيا فقهيا وتخريجا شرعيا يجيزها هذا إذا لم يمتدحها ويحث عليها.
هذا المبرر الفقهي وإن كان كامنا وقليل التداول إلا أنه حاضر حين استدعائه ويمكن البناء عليه خاصة مع غياب درس فقهي جديد ومتوازن وناقد لذلك الموروث وله القدرة على الرواج والانتشار.
إن أكثر ما أراه مثيرا للاشمئزاز هو ربط الإرهاب وتبريره بعوامل اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتماعية، الفقر قد يصنع لصا والقهر السياسي قد يصنع معارضا سياسيا والقهر الاجتماعي قد يصنع منحرفا وأي من تلك العوامل لوحدها لا يمكن أن تصنع إرهابيا. الإرهاب مرتبط بالتضحية بالواقع وبالحياة طمعا فيما هو أجدى، وهذه فكرة لا يمكن أن يحركها ويحميها إلا وجود حكم فقهي وإن كان شاذا، هذا الحكم هو ما يمنح الإرهابي نوعا من الحماية النفسية والصواب ويخرجه من أي توصيف باطل أو رافض لما يقوم به إلى توصيف إيجابي خيّر ومقبول بل ويستحق عليه الأجر والمثوبة.
يخضع المدون الفقهي للأحداث وللانطباعات وظروف المراحل التي دون بها إلى درجة قد يتجاوز بها أحيانا النص القرآني الكريم.
إن تعظيم قيمة الأم والوالدين عموما والإحسان إليهما قيمة مطلقة في القرآن الكريم، لكنها في بعض المدون الفقهي وفي بعض الأحداث التاريخية التي قد يستدل بها ذلك الفقه تأتي مشروطة أو مقيدة، فيما يتم تقديم بعض القصص التي تروى عن قيام صحابي جليل بقتل والده على أنها قيمة وحكم أكثر من كونها حادثة خاصة وذات سياقات وظروف محددة، مما يجعل من القصة مثالا ونموذجا وحكما ويمنحها رواجا مطلقا تدعمه تلك التفسيرات والقراءات الحادة لدعم وتكثيف بعض القضايا الفقهية العتيدة مثل الولاء والبراء.
آمن الشقيقان أن الجهاد في سورية واجب عليهما (قال بهذا الرأي كثيرون ويمكن الاستدلال عليه من المدون الفقهي)، وحين منعت أمهما ذلك كانت بالنسبة لهما ممن يعطلون هذه الفريضة ويمنعون عنها، وهو ما يبرر الحكم عليها بالكفر، لتكون استباحة دمها رحمها الله هي النتيجة الحتمية لتلك المعادلة.
يسهم هذا المستوى من التدين الفقهي في تضاؤل الأهداف الإرهابية من كونها أهدافا عامة لتصبح أهدافا خاصة من الصعب حمايتها أمنيا. فيصبح الأب (الكافر) والأم (الكافرة) أقرب الأهداف وأسهلها وهو ما لا يمكن اعتراضه أو الحؤول أمامه أمنيا.
هذا المناخ تتراجع فيه الحاجة إلى حملات أمنية لمواجهة إرهاب، لقد تراجع زمن الخلايا الإرهابية القاتلة لنصل إلى مرحلة الأفكار الفقهية الحادة القاتلة، والتي تمثل المبرر الأبرز لهذا المستوى من العمليات الإرهابية، هنا يأتي دور الحملات الفقهية الواعية الراشدة والناقدة.
ترى متى تنطلق هذه الحملة.
التعليقات