&محمد العسومي

لقد تعافت أسعار النفط في الآونة الأخيرة بصورة أسرع من أكثر التوقعات تفاؤلاً وأسرع من التوقعات التي أشرنا إليها في مقالة مماثلة قبل نحو شهرين لتدور حول 50 دولاراً للبرميل مع بعض التذبذبات المستمرة والناجمة إما عن المضاربات، كما هو متوقع أو عن تطورات جيو- سياسية أو فنية، كإضرابات وتخريب المنشآت النفطية في نيجيريا أو الأوضاع في العراق وإيران أو تراجع وتنامي المخزونات ومنصات الحفر في الولايات المتحدة الأميركية.

لقد حدث هذا النمو في الأسعار، رغم تضاعف صادرات النفط الإيرانية لتبلغ 2.5 مليون برميل يومياً وزيادة الإنتاج في العراق ليصل إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً، والذي قابله تنامي الطلب العالمي، وبالأخص في القارة الآسيوية ونمو الاقتصاد الصيني بأسرع من المتوقع، مما أوجد نوعاً من التوازن الهش، والذي ساعد على ارتفاع الأسعار رغم تذبذبها، هذا التذبذب الذي سيستمر في الأشهر القادمة، إلا أن الأسعار ستبقى عند معدلاتها الحالية ارتفاعاً وانخفاضاً بنسب متفاوتة وفق أوضاع السوق ووفق أهواء المضاربين. ماذا يعني ذلك؟ يعني تبخر أحلام كل التحليلات المغرضة التي بشرت بانهيار الاقتصادات الخليجية، وبالأخص الدعاية الإيرانية المضحكة، فأوضاع إيران الاقتصادية المزرية وانتشار الفقر في دولة غنية لا يتيح لها التبشير بانهيار اقتصادات مستقرة وقادرة على مواجهة الانخفاض الكبير في أسعار النفط، كاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي التي توفر لمواطنيها والمقيمين على أراضيها حياة كريمة ومستقرة.

تبخرت الأحلام بسبب بسيط، وهو أن سعر 50 دولاراً للبرميل والذي يتوقع أن تدور حوله أسعار النفط في الفترة القادمة يوفر العائدات الأساسية التي تستطيع معها معظم البلدان المنتجة للنفط، وبالأخص دول مجلس التعاون من التأقلم والتغلب على أية صعوبات اقتصادية قد تنجم عن تقلبات الأسعار.

هذا ما أشار إليه وأكده وزير الطاقة الروسي عندما ذكر أن بلاده تستطيع التأقلم مع سعر 50 دولاراً للبرميل، كما أكد وزير الطاقة القطري الأسبوع الماضي من أن هذا المعدل من الأسعار يعتبر مريحاً لبلاده، وهو ما ينطبق أيضاً على دول مجلس التعاون التي تملك احتياطات نقدية كبيرة، إضافة إلى تنفيذها لإصلاحات مالية مهمة وجذرية مؤخراً ستساعدها كثيراً على التكيف مع السعر الحالي دون صعوبات قد تعوق برامجها التنموية.

صحيح أن دول المنطقة أقدمت في الأشهر الأخيرة على إصدار سندات، إما لتنفيذ مشاريع حيوية أو لتغطية العجز في موازناتها السنوية، إلا أن ذلك إجراء مالي تقدم عليه معظم بلدان العالم، بما فيها البلدان المتقدمة اقتصادياً ولا يعبر بالضرورة عن صعوبات اقتصادية هيكلية، كما أن هذه الأداة المالية تستخدمها حتى البلدان التي تتمتع بفوائض، وذلك لأكثر من سبب لسنا بصدد تناوله هنا.

المهم أن دول الخليج العربي تجاوزت عنق الزجاجة وسقطت كل الرهانات التي قادتها أطراف إقليمية ودولية لتشويه الصورة الاقتصادية المستقرة لدول المجلس، علماً بأنه تم تجاوز تلك الصعوبات دون اللجوء إلى كل الخيارات والأدوات المتاحة، إذ لا زالت هناك أدوات أخرى يمكن أن تساعد على تحسين الأوضاع المالية رأت دول المجلس عدم الأخذ بها، وذلك لعدم الحاجة إليها في الوقت الحاضر.

عندما قلنا ذلك أكثر من مرة، وفي أكثر من وسيلة إعلامية محلية وعالمية في بداية أزمة أسعار النفط، ربما اعتقد البعض أن ذلك نوع من المبالغة أو المحاباة، مع أنه يحق للمرء أن يدافع عن وطنه مع التزامه بروح الموضوعية، خصوصاً مع تعرض دول المجلس لحملة تشويه شرسة تحاول النيل من إنجازاتها وتخريبها، علماً بأننا كنا في ذلك الوقت نقدم تحليلاً موضوعياً مبنياً على بيانات لمعرفتنا الأكيدة بأوضاعنا المحلية، وبقوة وإمكانيات اقتصادات دول المجلس وبقدرتها على تجاوز تداعيات انخفاض أسعار النفط.