&يوسف البنخليل&

&

في البداية تم الحديث عن ظاهرة الذئاب المنفردة، وهم الأشخاص الإرهابيون الذين انتقلوا للعيش في أوروبا أو لزيارتها مؤقتاً من أجل القيام بأعمال إرهابية، وإلحاق أقصى درجات الضرر بالمجتمعات الأوروبية. لكننا اليوم أمام ظاهرة تتجاوز الذئاب المنفردة بعد أن انتقلت أعمال الإرهاب إلى القارة العجوز سريعاً، وصارت تتنقل من بلد لآخر وفقاً لنظرية الدومينو.
خلال 7 أيام الماضية فقط، لم تتوقف وكالات الأنباء الدولية عن نشر أخبار الأعمال الإرهابية تنتقل من بلد لآخر، ألمانيا، وفرنسا.. إلخ، ومن المحتمل جداً أن تكون هذه الأخبار اعتيادية بعد 10 أيام من كتابة المقال إذا استمرت الأعمال الإرهابية التي يقوم بها أفراد أو جماعات مهما كان إدراكهم العقلي، ومن الممكن أن تتطور وتصبح ظاهرة عالمية إذا استمرت بنفس الزخم.
تفسيرات عديدة قدمت لتزايد الأعمال الإرهابية في القارة الأوروبية، بعضها مازال يتمسك بالعشوائية وعدم ترابطها مع بعضها بعضاً، والبعض الآخر يرى أنها منظمة وقد تكون صنيعة داعش الإرهابي. معظم التفسيرات تتركز حول هذا المحور، وتحاول رصد بعض التداعيات المستقبلية، وتأثير الأعمال نفسها على استقرار المجتمعات الأوروبية. إضافة إلى ذلك فهناك تحليلات ترى أن أكبر بلدين في أوروبا مستهدفين بالإرهاب هما ألمانيا وفرنسا، وسبب ذلك مواقفهما المرنة من ظاهرة هجرة العرب والمسلمين إلى أوروبا.

لن تتوقف التفسيرات والتحليلات، لكن هناك مدخلاً قد يكون مهماً لفهم ما يحدث في أوروبا، وهو مدخل بسيط وليس معقداً. أوروبا تدخلت في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في محاولة لدعم المشروع الأمريكي لإعادة رسم المنطقة، فاندلعت الفوضى الخلاقة، ثم تحولت إلى فوضى مستقرة، واليوم بدأت الفوضى المرتدة، وهي عملية انتقال الفوضى من منطقة جغرافية معينة إلى أخرى كانت الفاعل الرئيس في تأسيس الفوضى منذ البداية.

الفوضى المرتدة فعلاً ظاهرة، وهي لا تتعلق بالانتقام، ولا تتعلق بردات الفعل، بل بتحولات مجتمعية تعيشها المجتمعات الأوروبية التي تجاهلتها عقوداً طويلة ولم تسع لمعالجتها جذرياً، هذه التحولات انعكست كلية على المجتمعات التي كانت لها مواقف متباينة في السياسات تجاه الشرق الأوسط، ودعمت مشروع الفوضى الخلاقة، ولم تتوقع حينها أن يتحول هذا المشروع إلى فوضى مرتدة، ويصل إلى أراضيها ويخلف ورائه عشرات القتلى ومئات الجرحى، ويضر باقتصاداتها المتطورة.

السياسات الأوروبية خدعت العالم فيما يتعلق بالإرهاب، فهي تحارب داعش لأنه تنظيم إرهابي يقتل الناس، لكنها لا تحارب النظام السوري رغم أنه يقتل الناس أيضاً. كما لم تحارب أوروبا إيران التي تعد أداة رئيسة لنشر الفوضى والإرهاب في الشرق الأوسط.
جميع هذه التناقضات وغيرها ساهمت في بدء الفوضى المرتدة التي نخشى أن يطول أمدها في القارة العجوز.

&