خالد القشطيني

من المعتاد في الغرب أن ينهوا ولائمهم الكبيرة بما يريح أعصاب الآكلين، ويسهل عملية الهضم. يتم ذلك بجوق موسيقي يعزف لهم، أو بمطرب يغني أمامهم، أو ظريف يمتعهم بما يسمونه خطبة ما بعد العشاء. امتازت هذه الخطب غالبًا بظرفها ونكاتها بما يضحك السامعين، غير أنها أحيانًا تنقلب إلى السياسة والشؤون العامة عندما يكون المتحدث من رجال السياسة. وكثيرًا ما تكون لها مناسباتها. 

اشتهرت في ذلك أكاديمية الفنون الملكية في لندن. تذاكرها باهظة جدًا، وكثيرًا ما يلقي المتحدث كلمات خطيرة في سياسة البلد، كما فعل ونستون تشرشل عندما دعوه ليكون خطيب الأمسية بصفته فنانًا رسامًا ورئيسًا للحكومة. جامعة أكسفورد أيضًا من هذه المؤسسات التي اشتهرت بخطب ما بعد العشاء، وأكثرهم من كبار الساسة ورؤساء الدول. استمعت فيها إلى الرئيس كارتر يلقي خطبة ما بعد العشاء. ولا بد أن سبب مغصًا معديًا لبعض المستمعين عندما تعرضفيها لمشكلة الشرق الأوسط وهاجم إسرائيل بيد أن خطباء ما بعد العشاء يتكلمون عمومًا بما يؤنس ويضحك الضيوف. 

وأصبح ذلك مهنة عند البعض يقبضون منها ألوف الباوندات لمجرد إلقاء مثل هذه الخطب الظريفة. كان منهم جورج بست، بطل كرة القدم. توجه بعد توقفه عن لعب الكرة إلى إلقاء هذه الخطب المؤنسة.

وكما قلت دعت الأكاديمية الملكية للفنون ونستون تشرشل لإلقاء خطبة ما بعد العشاء. ولأنه رسام انطلق بالحديث عن اللون البني أو الجوزي الذي كان لا يحبه وقلما استعمله في رسومه، ولكنه هنا في خطبة ما بعد العشاء راح يسخر منه لكونه لون بزة جنود الـ «إس إس» الألمان. حّول الخطبة إلى سخرية من هتلر والحزب النازي، علمًا بأن هتلر أيضًا كان رسامًا، ولكن لا أحد دعاه لإلقاء خطبة في الأكاديمية الملكية.

هناك مجموعات كبيرة من خطب ما بعد العشاء، ومن المعتاد لي أن أقرأها بعد العشاء وأستمتع بها كهذه القصة التي رواها النائب المحافظ لويس كنتنر في خطابه بعد العشاء في إحدى الجامعات. قال: ذهب رجل إلى مكتب الزواج يسألهم أن يعثروا له على زوجة مناسبة. نظر الدلال في دفتره فعثر على واحدة وأخذه إليها ليقابلها ويراها. استاء الرجل من منظرها وهيئتها فراح يهمس في أذن الدلال: ألم تجد لي امرأة للزواج غير هذه الشمطاء، محدودبة الظهر ملتحية الذقن حولاء العينين مهلهلة البطن و.. و... وهنا قاطعه الدلال «لا حاجة بك إلى الهمس في أذني. فالمرأة صماء لا تسمع»!

وروى المارشال فيلكس هذه الحكاية في خطبته بعد العشاء، قال: إن رجلاً طاعنًا تجاوز المائة سنة كان جالسًا في زاوية من البلاج ومرت أمامه كوكبة من الفتيات في لباس المايوه في طريقهن للسباحة. فضرب يدًا على يد وقال: «آه يا ليتني ما زلت في الثمانين»!