&عبدالله جمعة الحاج

بسبب التصريحات والمواقف العنصرية السلبية التي يطلقها ويمارسها دونالد ترامب المرشح «الجمهوري» في انتخابات الرئاسة الأميركية ضد العديد من فئات وعناصر مجتمع الولايات المتحدة، كالأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية والمرأة والمسلمين والعرب والمهاجرين بشكل عام وغيرهم من أقليات، تثير الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة لغطاً شديداً لم تعهده من قبل وتطرح العديد من التساؤلات الجوهرية حول عدد من القضايا المحورية التي تهم المجتمع المدني في الولايات المتحدة.

من أهم تلك القضايا مسائل من قبيل طبيعة القادة السياسيين الذين يصلون في نهاية المطاف إلى ترشيح أحد الحزبين لهم، كما هو حاصل الآن بالنسبة لدونالد ترامب، وقضية وصول من هم غير مؤهلين إلى ذلك الترشيح، وقضية المسارات التي يتم سلوكها للوصول إلى سدة الرئاسة، وقضية كيفية الاختيار الفعلي للمرشح الأخير لكل حزب، وقضية الممارسات والتصريحات ذاتها خلال الحملة الانتخابية، وقضية علاقة وسائل الإعلام المختلفة بالحملات الانتخابية، وقضية علاقة الحزبين الرئيسيين بمرشحيهم، وأخيراً القضية الأساسية الكبرى: وهي لماذا لا يتم اختيار ساسة الولايات المتحدة الأفضل من جميع الجوانب لكي يصبحوا رؤساء لها.

والحقيقة أن هذه القضايا مهمة لكي يتم فهم طبيعة اللعبة السياسية الرئاسية في الولايات المتحدة، ونأمل التمكن في مقالات قادمة تسليط الضوء على عدد منها، فقد تبقى حتى الآن ما يقارب الثلاثة شهور أو نيف على موعد الانتخابات النهائية. والمهم في الأمر أنه نظراً لوصول شخص مثير للجدل واللغط واللغو إلى الموقع الذي هو فيه الآن كمرشح رئاسي للحزب «الجمهوري»، فقد أصبحت الطرق والأساليب المتبعة لاختيار المرشحين، وبالتالي وصول أحدهم إلى كرسي رئاسة الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم، مثاراً للهجوم والتهكم والسخط على تلك الوسائل والأساليب.

ويقول النقاد الذين نقرأ للعديد منهم هذه الأيام عبر ما ينشر في داخل الولايات المتحدة بأن الحملات الانتخابية الرئاسية طويلة جداً ومكلفة جداً من الناحية المالية وهدر الوقت الذي تستهلكه في حين أن المرشحين ليسوا هم أفضل الموجودين، وبأن القضايا الأساسية التي تهم المجتمع والإنسان والدولة الأميركية تعطي أهمية قليلة في مقابل ما يعطى للقضايا الشخصية للمرشحين كأفراد، كما يحدث حالياً بالنسبة لدونالد ترامب بالتحديد، خاصة من قبل شبكات محطات التلفزة التي يستقي منها المواطن الأميركي العادي معظم المعلومات التي تصل إليه وتؤثر في طبيعة خياراته إلى حد كبير. ويوجد جانب آخر في هذه المسألة يتعلق بالقلق الشديد الخاص بأهلية وشخصية ومزايا الأشخاص الجيدة في مرشح كدونالد ترامب الذي قام بالسخرية من والدة شهيد حرب أميركي مسلم، وتحمل الوسام الذهبي للولايات المتحدة بسبب استشهاد ابنها دفاعاً عن مصالح الولايات المتحدة في الخارج. إن مثل هذه المسألة تطرح سؤالاً محيراً فيما إذا كان النظام الانتخابي الرئاسي المعمول به حالياً قد تم وضعه وصيانته كي يتسنى اختيار أفضل فئات المجتمع لخوض هذه الانتخابات.

وعلى أية حال، فإن عقارب الساعة تتسارع نحو الموعد النهائي لإجراء الانتخابات والمرشح غارق في توجيه كل ما لديه من أقوال ومواقف سلبية تجاه فئات المجتمع الأميركي التي لا يستسيغها الأمر الذي يتسبب له في المتاعب الكبرى الواحدة تلو الأخرى حتى مع أعضاء وقادة الحزب «الجمهوري» ذاته. لكن الغريب في الأمر هو أنه كلما زاد ترامب من غلوه في حملته الشعواء ضد المهاجرين والملونين والمسلمين والعرب واللاتين كلما زادت شعبيته في أوساط جزء من المجتمع الأميركي، الذي يخفى بداخله نزعات عنصرية غير مكشوفة، وذلك في نفس الوقت الذي تنادي فيه مثل تلك الفئات بحقوق الإنسان والمساواة وغير ذلك من شعارات، ليس للجميع فيما يبدو، بل لفئات معينة فقط من البشر، فيا عجبي من حال السياسة في الولايات المتحدة التي ليس فيها مواقف واضحة أو ثابتة، سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي أو صعيد السياسة الخارجية، فهي عبارة عن مجموعة من الألغاز المحيرة التي يصعب حلها، ولنا مثال في ذلك ما حدث بالنسبة لترشيح دونالد ترامب لخوض انتخابات الرئاسة، وفي ما حدث بالنسبة لعقد الاتفاق النووي مع إيران على صعيد السياسة الخارجية.