ديفيد بروكس
بالتأكيد لدينا فشل في قيادة بلادنا، فالنظام السياسي لا يعمل كما يجب، والمشكلات الكبرى لا يجري علاجها. لكن ما طبيعة ذلك الفشل؟ النظرية الأساسية تقول إن السبب هو الفساد؛ إذ إن هناك الكثير من المال المتدفق من خلال واشنطن للدرجة التي تجعل أصحاب المصالح الخاصة يحصلون على ما يريدون في حين يحصل الآخرون على الفتات. النظرية الثانية ترجع السبب فيما يحدث لـ«الانفصال»؛ وتعني أن الصفوة يضيعون الكثير من الوقت في ممرات محطة قطار «أكيلا» للدرجة التي تجعلهم غير مدركين لما يحدث خارجها.
هناك بعض الصواب في كلتا النظريتين، لكني سأشير إلى ما هو أعمق، فعلى مدار العقود الماضية، عمل الآلاف من الناس الفضلاء في مجال الخدمة العامة لكنهم اكتشفوا أنهم وقعوا في شرك نظام أبعدهم تماًما عن إحساسهم بعملهم.
دعونا نبدأ بتنشيط الذاكرة بتعيين الفارق بين المهنة والعمل. فالعمل هو ما تختاره بنفسك، بينما المهنة هي ما دعيت إلى عمله.
فالشخص الذي يختار مهنته قد يتساءل: كيف لي أن أحصل على أفضل وظيفة أو أن أفوز بأكثر عدد من الانتخابات؟ والشخص الذي يدعى إلى عمل معين سيتساءل: كيف لي أن أضع قدراتي الكامنة في عمل من أجل الصالح العام؟
فالمهنة هي الوظيفة التي تؤديها طالما أن الفائدة تفوق التكلفة، بينما العمل هو أن تقع في حب شيء ما بعد ما جعلت منه جزءا من هويتك الشخصية. كلمة العمل تنطوي على وعود ببعض الغايات، فهي تتجلى في صورة متعة تشعر بها أثناء أدائك لها، ولن
تستطيع التخلي عنها في وقت الأزمات والركود.
من السهل أن تكون ساخًرا، لكنني أعتقد أن أكثر الناس قد دخلوا الحياة العامة بعد إحساسهم بهذا النداء المثالي. فعندما تقضي وقتك حول مسؤولي الحكومة فسوف تصطدم بحقيقة أنهم أكثر إبهاًرا عندما تتعامل معهم بصورة شخصية.
المعنى هنا هو أن الحياة السياسية ببساطة ليست بهذا البريق والقوة والمتعة، إذ إن أغلب الساسة لا يطيقون فكرة جمع التبرعات ولا لعبة الأحزاب إلا إذا كان هناك دافع.
لكن على مدار السنين، يلتهم النظام الكثيرين؛ جميع المستشارين وعجلة الإعلام سريعة الدوران والاجتماعات اللانهائية مع المتضرعين، والصرير المتواصل للنقد العام.. كل ذلك يجعلهم يستهلكون وقًتا أقل في التفكير في السياسات، ويتفوق الولاء وخدمة الأنصار على خدمة القضية التي أتوا من أجلها في المقام الأول.
على سبيل المثال، هيلاري كلينتون تبدو وكأن مصدر إلهامها كان الرغبة في خدمة الأطفال، لكن مع مرور العقود أصبح هناك جدار قوي فوق المحارة، جدار ضروري لخوض المعركة. ميت روني يبدو شخًصا لطيًفا إلى حد بعيد، لكن عندما دخل حملة المنافسة، اختبأت طبيعته وحقيقته خلف غشاء المعادلات السياسية.
قال الشاعر ديفيد وايت ذات مرة: «كما هو الحال في الزواج، العمل هو المكان الذي تفقد فيه نفسك، أكثر مما تجد فيه نفسك».
تجري الأمور بطرق مختلفة وفي حالات مختلفة، لكن عقلية صاحب المهنة غالًبا ما تحل مكان عقلية صاحب العمل. فعقلية صاحب المهنة غالًبا ما تحد من عمل الساسة، إذ تجعل محركهم الأول هو الخوف من الفشل، أكثر من التفكير في أي هدف إيجابي.
مثل هؤلاء الناس يكونون محاصرين بالحسابات قصيرة المدى، وغالًبا ما ينسون صورتهم الحية وهدفهم بعيد المدى. مثل هذا الاتجاه ليس ضاًرا لهؤلاء الناس فقط، لكنه ضار للنظام برمته. لكن الناس ممن يتحلون بطريقة تفكير «العمل»، دائًما ما تجد عيونهم مصوبة تجاه نهاية اللعبة، فهم يتمنون لو أنهم ألقوا بأنفسهم تجاه أهدافهم بشجاعة لا تخلو من قسوة.
وعلى الجانب الآخر، فهؤلاء الذين يعملون بعقلية المهنة غالًبا ما يضعون المحافظة على أنفسهم فوق كل اعتبار. أعتقد أن هناك إطاًرا «للعمل»، إذ إن الناس يبدأون بشيء ما خارجهم. وعندما يهمون بتأسيس أنفسهم، ينطلق السعي تجاه الذات، لكن في نقطة ما يدرك الناس زيف كل هذا وأنهم يحاولون إعادة التواصل مع أهدافهم الأصلية.
وبناء عليه، أعتقد أنه من الممكن أن نتصور إحياء «للعمل»، فإذا جرى انتخاب كلينتون فقد تستطيع أن تذكرنا أننا جميعا قد طورنا تلك العادات السيئة، فغالبيتنا يمقت اللعبة ويبغض الطريقة التي نؤديها بها. سوف تكون شجاعتها مذهلة لو أنها استطاعت أن تقود الناس للتخلي عن آليات «المهنة» ليتذكروا قسمهم الأصلي وعواطفهم الحقيقية.
* خدمة «نيويورك تايمز»
التعليقات