هل ستتولى امرأة قيادة اليابان أخيرا؟

عبد الله المدني

كما هو معروف فإن نساء اليابان مستبعدات من تولي العرش الإمبراطوري، وإن كن من نسل العائلة الحاكمة. لذا فقد وجدن البديل في تولي المناصب الحكومية، لكنهن حتى في هذا المجال واجهن الصعوبات والعوائق، وكان عليهن النضال ضد معارضة ذكورية شديدة إلى أن راحت تلك العوائق تسقط الواحد تلو الآخر بسبب تبدل الأفكار وتغير الزمن وظهور طبقة من السياسيين الشباب في المراكز القيادية.

وعليه فقد شهدت اليابان، ولا سيما في عهد رئيس وزرائها الأسبق الإصلاحي "جونيتشيرو كويزومي"، دخول أكبر عدد من النساء في حكومته، كما تم توزير أول سيدة لقيادة الدبلوماسية اليابانية وهي "ماكيكو تاناكا" التي خلفتها زميلتها "يوريكو كاواجوتشي" في عام 2002. واليوم توجد في اليابان سيدتان شهيرتان في موقعين رسميين مهمين هما: وزيرة الدفاع في حكومة رئيس الوزراء الحالي "شينزو آبي"، ووزيرة الدفاع السابقة "يوريكو كويكي" التي أنتخبت أخيرا كأول عمدة أنثى لطوكيو.

لكن عين نساء اليابان باتت اليوم مصوبة على المنصب الأعلى في البلاد وهو رئاسة الحكومة. فهل ستنضم اليابان أخيرا إلى قائمة الدول الآسيوية التي حكمتها أو تحكمها النساء؟

الإجابة ستقررها نتائج الانتخابات العامة القادمة المقرر إجراؤها العام القادم. فطالما أن الحزب الديمقراطي الذي يمثل المعارضة الرئيسة في البلاد سيدخل هذه الانتخابات بقوة بقيادة سيدة شابة هي "رينو موراتا" (48 عاما)، وطالما أن الأخيرة هي من ستتولى تشكيل الحكومة وقيادتها بمجرد فوز حزبها كما هو متبع، فقد نكون أمام مشهد ياباني غير مسبوق، بل مشابه من ناحية الإثارة والغرابة لمشهد خروج الحزب الديمقراطي الحر من السلطة في عام 2009 لأول مرة منذ تأسيسه في عام 1955. ذلك الخروج الذي وصف وقتذاك بالزلزال لأنه جاء على يد حزب جديد مغمور هو الحزب الديمقراطي الذي كان يقوده حينئذ "يوكيو هاتوياما" وتقوده اليوم السيدة رينو، ناهيك عن أن فوزه كان بعدد 308 مقاعد، في مجلس النواب المكون من 480 مقعدا، مقابل 119 مقعدا للحزب الديمقراطي الحر الذي لم يسبق له الخروج من السلطة قبل ذلك التاريخ إلا لمدة 11 شهرا ما بين عامي 1993 و1994.

على أن الكثيرين من مراقبي الشأن الياباني ــــ ومنهم كاتب هذه السطور ــــ يرى أنّ حظوظ الحزب الديمقراطي وزعيمته رينو في الوصول إلى السلطة تبدو متواضعة لأسباب كثيرة. فالحزب المؤسس في عام 1998 ليس له تاريخ طويل في إدارة البلاد، بل إن السنوات الثلاث التي أمضاها في السلطة ما بين 2009 و2012 شهدت تخبطا في قراراته وسياساته، ونزاعا في أروقته الداخلية، وتحللا من تعهدات التزم بها، فكانت النتيجة أنْ صوّت اليابانيون في انتخابات 2012 لمصلحة خروجه من السلطة بأغلبية ساحقة، خصوصا أنه فشل في التعامل الصحيح مع إعصار تسونامي وكارثة مفاعل فوكوشيما في عام 2011. من ناحية أخرى، فإن الحزب الديمقراطي، على العكس من الحزب الديمقراطي الحر، حزب مفكك ولا تجمعه عقيدة سياسية واضحة وصلبة، وتسوده خلافات مريرة حول العلاقات مع الولايات المتحدة وتشكيل تكتل آسيوي كبير على غرار الاتحاد الأوروبي. ذلك أنه مكون من عدة تشكيلات سياسية صغيرة قاسمها المشترك الوحيد أنها انشقت عن الحزب الديمقراطي الحر خلال الفترة ما بين 1992 و1993، علما بأن بروز الحزب كقوة معارضة رئيسة ما كان ليحدث لولا تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الياباني الذي ظل يمثل دور المعارضة الرئيسة على مدى أربعة عقود.

إلى ما سبق توجد عوامل قد تجعل الناخب الياباني ـــ ولا سيما من الجيل القديم المحافظ ـــ يتردد في منح صوته لمصلحة رينو. فالأخيرة ليست يابانية 100 في المائة لأن والدها تايواني الجنسية (أو بمعنى آخر من الصين التي لها علاقات تاريخية شائكة ومتوترة مع اليابانيين). ثم أنها أثارت جدلا كبيرا قبيل انتخابها على رأس حزبها، بسبب إخفائها حقيقة تمتعها بالجنسية التايوانية إضافة إلى الجنسية اليابانية، وعدم تخليها عن إحدى الجنسيتين عند بلوغها سن الـ 22 كما يقتضي القانون الياباني، وادعائها أن عدم إعلانها عن ذلك هو "ذاكرتي المشوشة وبياناتي غير الواضحة"، الأمر الذي زاد الطين بلة! فكيف تكون مشوشة الذاكرة وتريد قيادة بلد عظيم كاليابان؟

وقد لا يقبل اليابانيون المحافظون ــــ وهم كثر في عداد من يحق لهم التصويت ــــ أن يكون زعيمهم المقبل سيدة كانت في الثمانينيات تعمل كعارضة أزياء قبل أن تتحول إلى نجمة تلفزيونية سليطة اللسان إلى درجة إطلاق اسم "هيساتسو" (كلمة تعني القتل بإطلاق الرصاص) عليها، لأنها كانت تستضيف رجال المال والسياسة في برامج حوارية وتغتالهم بالنبش في سيرهم وأعمالهم وحياتهم الخاصة.