سمير السعداوي

منذ الاعتداء بشاحنة في سوق عيد الميلاد في برلين مساء 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والمخاوف تتصاعد من عجز الأجهزة الأمنية عن ضبط حركة المهاجرين، حتى بلغ الأمر ذروته أخيراً، باعتراف السلطات بتلقيها بلاغاً من مهاجرين في غرب البلاد قبل سنة، يحذر من انتماء منفذ اعتداء برلين المهاجر التونسي أنيس العامري إلى «داعش» وتخطيطه لهجوم على الأراضي الألمانية.

كشف ذلك عجزاً خطيراً لدى السلطات عن ضبط حركة 548 مشبوهاً في ألمانيا، نصفهم من المهاجرين الذين لا يملكون جنسيات ولا إقامات شرعية، وفي معظم الحالات لا تعرف لهم عناوين. وإذا أضيف الأمر إلى استعانة هؤلاء وأترابهم في أوروبا، بعصابات محلية للاستحصال على وثائق مزورة وكافة أنواع المحظورات ومن بينها الأسلحة، يصبح بالإمكان تصور حجم الكابوس الذي بات يؤرق ليس الألمان فقط بل سائر سكان القارة.

بدأ الأوروبيون يشعرون بخطورة قضية المهاجرين أمنياً، في بداية الربيع الماضي وتحديداً في 22 آذار (مارس) 2016، عندما فجر انتحاريون مطار بروكسيل ومحطة المترو قرب مقر الاتحاد الأوروبي. وكشفت التحقيقات الأمنية في حينه أن تفجيرات بروكسيل كانت نسخة طبق الأصل من تفجيرات باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 بتدبير من تنظيم «داعش»، (تماماً كما كان اعتداء برلين مستنسخاً من هجوم بشاحنة في نيس نفذه تونسي أيضاً في 14 تموز- يوليو 2016).

وتأكد أن 10 من منفذي ومنسقي الاعتداءات في باريس وبروكسيل في مقدمهم عبد الحميد أباعود، البلجيكي من أصل مغربي الذي قتل في ضاحية سانت دوني في 18 تشرين الثاني 2015، دخلوا التراب الأوروبي في زوارق لاجئين منذ نهاية آب (أغسطس) من ذلك العام. وتولى صلاح عبدالسلام وهو فرنسي من أصل مغربي، أقام في ضاحية «مولنبيك»، نقل الانتحاريين من هنغاريا والنمسا وألمانيا إلى «أوكار» في بلجيكا حيث استكمل تجهيزهم. واعتقل صلاح عبدالسلام في بلجيكا في 18 آذار 2016 وسلم إلى السلطات الفرنسية في نيسان (أبريل) من العام الماضي.

أزمة تدفق اللاجئين وضعف قدرة وكالة «فرونتكس» لأمن الحدود الأوروبية وعجزها عن احتواء تيارات الهجرة غير الشرعية، دفعت الدول الأوروبية إلى إنشاء جهاز خفر السواحل والحدود التابع للاتحاد الأوروبي، ويعد 1500 من الخبراء الأمنيين الذي يمكن تعبئتهم بسرعة ونشرهم في معابر حدودية تواجه أزمة طارئة.

ويؤكد قرار إنشاء هذا الجهاز، قناعة الدول الأوروبية بترابط الأمن وبضرورة استعادة مراقبة الحدود الداخلية في القارة، بعدما تبيّن أن تعليق اتفاقية «شينغن» لحرية التحرك لم يكن كافياً لتأمين حدود الدول، وكان خير دليل على ذلك أن التونسي منفذ هجوم برلين تمكن من الوصول إلى ميلانو حيث قتلته الشرطة صدفة، فيما كانت الأجهزة الألمانية لا تزال تبحث عنه في عاصمتها.

كذلك كشفت أزمة المهاجرين ثغرات في التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي وسلطت الضوء على الكلفة الخطرة أمنياً التي تنجم عن نقص تبادل المعلومات. وأنشئت منصات عدة في مقر جهاز الشرطة الأوروبية (يوروبول) في لاهاي، حيث تم ربط قواعد البيانات حول المقاتلين الأجانب والتي أصبحت تضم أسماء أكثر من 9 آلاف مشبوه، على صعوبة ضبط تحركاتهم، إضافة إلى بيانات تتعلق بالتهريب والجريمة المنظمة، ومعلومات عن آلاف الهويات المزورة التي تستخدم في نشاطات التهريب، وأيضاً يستفيد منها الإرهابيون في تنقلاتهم.

لذا لم يعد أمراً مبالغاً توصيف أزمة المهاجرين على أنها مصدر الخطر الأكبر في أوروبا منذ الحرب، إن لم يكن خطرها أكبر.