سليمان العيدي 

أحمد الله أنني عدت اليوم إلى الحياة نادماً على 10 سنوات قضيتها من عمري في أوهام جبال أفغانستان ومناطق الصراع الأخرى

قبلَ بداية نقل هذه التجارب لشباب عاشوا في مناطق الصراع ومتاهات الضياع؛ وجدتُ من الأنسب تسجيل وقفة تقدير للنجاح الكبير الذي حققه أبطال الياسمين ورجال الأمن الذين برهنوا على قدرة الأمن السعودي على تجاوز الظروف وعقوق الأبناء الذين تطاردهم العيون الساهرة على أمن هذا الوطن. فيَبرز جيل أدرك قيمة وطنه والتمتع بخيراته وأمنه. وقد أسعد الجميع ذلك النجاح الباهر لأجهزة الأمن، ولهذا وجدت اليوم قصصاً نقلها لي أصحاب التجارب الذين طاشوا لفترةٍ غابت عنهم القدوة وركبوا حماس الشباب حتى خرجوا إلى مناطق الصراع في أفغانستان واليمن، مروراً بمركزين مختلفين. ألا وهما مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، ومعتقل جوانتانامو. هؤلاء الشباب عاشوا التجربتين فيهما مع فارق المعاملة بالتأكيد كما ذكرها الشباب، وكذلك فترة حياة الجبال مع الحوثيين في ليال غرّر فيها بهؤلاء الشباب وأكدوا خلال أحاديثهم نعمة الخير التي شعروا بها بعد عودتهم إلى المملكة. 
يقول خالد الجهني "بدأت تجربتي من الساحل الشرقي بالدمام ومن موقع وظيفي لا بأس به في إحدى الشركات، وكان راتبي جيدا، شعرت أن الوقت قد حان لنصرة المسلمين وخرجت لأفغانستان، عشت ليالي حالكة الظلمة فاقدة الأمان مع أحزاب وجماعات كل يدعي الزعامة والتفوق ورؤية الكرامات التي لا تحدث عند الآخرين، حتى يحصدوا جماعة تفوق الأخرى وضياعا للوقت والانشغال بالإمارة، وزعامة الجماعة، وعشت سنوات حاولت أن أجد هذه الكرامات والله لم يحدث لي أي موقف يجعلني أصدق ما يقال.. ومضت أيامنا حتى شعرت بضرورة مراجعة النفس وتحسّرت على فراق الوطن والأهل والأحباب، لكنني فوجئت بنقلي إلى معتقل جوانتانامو لأمضي أيضاً جزءاً من حياتي تحت صور بشعة تنتظر ماذا يفعل بي خلالها، حتى جاء يوم العودة إلى حضن الوطن الذي أدْركت أنّه جنتي في الدنيا بعدما منَّ الله عليَّ بالتوبة والرجوع، ومسح صفحات الماضي التي لم تكن أصلاً في بلاد الغربة إلا ظلاما حالكا حتى تنفست الصعداء، وقضيت أحلى أيام الحياة داخل مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية.. وجدت الأخوة الحقيقية والاهتمام الفائق والإيثار من إخوة أحباء مع عدد من المناصحين الذين أدعوا لهم ليلا ونهارا على الرعاية والمحبة والوفاء. وأحمد الله أنني عدت اليوم إلى ميادين الحياة بكل أريحيه نادماً على 10 سنوات قضيتها من عمري في أوهام جبال أفغانستان ومناطق الصراع الأخرى". فشكراً لخالد على هذه القصة، وأتمنى حكايتها للأجيال. أما قصتنا الثانية فهي مع التقني والشاب الذكي عبدالرحمن الحويطي الابن الناضج فكراً وعقلاً، حيث لم تدم رحلته الوهمية سوى سنتين فقط، قضى منها 17 يوماً في الحدود السعودية اليمنية وأشهراً في كهوف الحوثيين الذين أدرك أنهم جناة في وقت مبكر عام 1426، حاقدين على هذه البلاد برعاية إيرانية، حتى تخلص من تلك الحياة الزائفة، وكشفها عندما دار حوار بينه وبين أحد قادة السوء، ومزق جوازه وتركه هائماً على وجهه ليجد في يقظة ضميره حسّاً بتسليم نفسه للسلطات السعودية، وخوضه تجربة المناصحة التي لم يمكث فيها طويلاً لإدراكه بدءاً أن طريقه كان شائكاً من أول رحلته من تبوك مروراً بالساحل حتى جبال اليمن، ثم عوداً حميداً إلى ربوع الوطن الذي عاد إليه فوجد أهله وأسرته ووطنه كلهم ترحيبا وشوقا ليكون لبنة صالحة في بناء الوطن، مع حرصه على نقل هذه القصص المؤلمة لحياة اكتشف أنها اقتطعت من عمره. لكنها كما يقول "لم تطل ولله الحمد، وندمي على إصغاء الأذن لبعض رفاق السوء والحاقدين على هذا البلد وأهله وأمنه"، وينصح غيره إلا يقع في شراك هؤلاء الذين يريدون سوءًا بشباب هذا البلد والله الهادي.