رجاء العتيبي

تلاشى الاتحاد السوفييتي, وبدت الصين وروسيا واليابان غير قادرة على ملء الفراغ, واستمر ضعف الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية, هذا مكَّن أمريكا من السيطرة على العالم, وتمكنت أكثر عندما نجحت في تعزيز تحالفها مع أوروبا, فلا مجال للمنافسة والتحدي والتهديد, وإذا ما فعلت كوريا الشمالية أمراً يُغضب أمريكا يمكن أن تختفي من الكرة الأرضية في 3 ثوانٍ.

لهذا انكفأت الأمة الأمريكية العظمى على نفسها وتصارع أقطابها (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي) بصورة لم تشهدها أمريكا طوال فترة 43 رئيساً ماضية, ذلك حدث يوم لم تجد أمريكا خصماً قوياً توجه له سهامها, أمريكا اليوم تشبه أي (تحزب) في العالم يكبر ثم يتصارع رموزه فينقسم على نفسه أقساماً متعددة, هكذا كان الرئيس 44, والرئيس 45.

وهكذا بدأت الحرب الباردة بين (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي)، ولأول مرة تبدو حرباً معلنة مع مجيء (ترامب) لسدة الحكم, فأول قرار اتخذه هو (إلغاء) كثير من قرارات أوباما السابقة, بطريقة وصفها المراقبون بالانقلاب, وبطريقة تشبه الحاكم العربي الذي ينسف ما قبله ليبدأ الدولة من الصفر, وهكذا يتكرر الموقف، فما أن نصل للمنتصف إلا ونعود للصفر.

الحرب الأمريكية الداخلية بين: أوباما وترامب ظهرت للعلن لأول مرة, يوم اطمأنت أمريكا أنها روضت العالم فلا خوف على الأمن القومي على الأقل لـ50 سنة قادمة, وبدت في أمريكا حرب ضروس تشبه داحس والغبراء كمؤشر ينبئ عن تآكل الأمة الأمريكية كما تآكل العرب.

في السابق كان الفرقاء العرب واللاتينيون والآسيويون يستعينون بأمريكا ضد خصومهم من أبناء وطنهم, استمر ذلك لسنوات، واليوم نرى الحزبين: الجمهوري والديمقراطي يستعينان بالعرب والآسيويين واللاتينيين لدعم كل حزبه ضد الآخر, بدليل أن ترامب عندما تسلم مقاليد الرئاسة انتقم من كل دولة ومؤسسة واقتصاد دعم الحزب المنافس له, وهكذا كان يفعل أوباما عندما استعان بالخارج لتمكين حزبه ليكون أقوى من منافسه, وعليك أن تتابع قضية تدخل الاستخبارات الروسية في الانتخابات الأمريكية, أو تغيير أنظمة الحكم العربية لصالح الحزب الديمقراطي.

للمرة الألف أمريكا ليست كياناً واحداً, إنها كيانان رئيسان وكيانات أخرى لها تأثيرها الكبير, لهذا انقسمت الكرة الأرضية إلى (فسطاطين): إما مع الديمقراطيين أو مع الجمهوريين, بدل التقسيم القديم الذي قسمه بوش وابن لادن.

كل ما آمله أن يغير الكثير نظرتهم السياسية عن أمريكا, ويراها كما هي اليوم حرباً ضروساً داخلية تجرف العالم نحوها, وليس كما هي (أمريكا التي رأيت)، فالنظرة القديمة لم تعد كما كانت, والحرب الباردة بين فسطاطي أمريكا تنبع من ذاتها.

على سبيل المثال: ماتت الأندلس والدولة العثمانية, وبريطانيا العظمى والبرتغال, وأفل نجمها يوم دب الصراع من داخلها, ذهبت وكأن لم تكن, سوى بعض من الأطلال وعليك الحساب.