محمد علي فرحات

لا رحمة في تقاتل الفصائل الإسلامية المسلحة، فقد استطاعت «النصرة» (أو «فتح الشام» أو «القاعدة») «إبادة» فصيل من «جيش المجاهدين» الذي شارك في لقاء «آستانة»، مباشرة بعد صدور بيان وقف إطلاق النار: يحتاج الأمر إلى مفت هنا ومفت هناك يأمران بالقتل الحلال، لتشتعل «حرب الإخوة» مخلِّفة ضحايا ودماراً.

ويبدو شمال حلب وشمال إدلب ساحتين لمعارك قاسية بين إسلاميين مختلفين حول لقاء «آستانة»، في انتظار تبلور إرادة سياسية لتركيا تدافع عمن لبوا دعوتها في وجه اعتداءات «داعش» و «النصرة»: هل تتحمل أنقرة الصدام مع التنظيمين في وقت واحد، مع ما يستتبع ذلك من استنهاض خلاياهما النائمة في طول تركيا وعرضها؟

وعدا التنظيمين هناك «وجهاء» يعارضون فتح أي نافذة في النفق السوري، فيصف أحدهم المشاركين في لقاء آستانة، بأنهم «لا يفقهون شيئاً في لغة السياسة ولا حتى لغة القتال، وأظهرت الوقائع الميدانية طوال ست سنوات أن كثيرين منهم هم من حثالة الشعب، من النصابين والحرامية واللصوص، وأنهم ركبوا موجة الثورة وحملوا السلاح ليتعيشوا ويثروا على دماء الشعب» (موفق السباعي في رسالة موزعة بالإنترنت).

هذان، القتال والكلام، عينتان من تعقيد الحرب السورية التي تبتعد عن حلّ تونسي قائم على تعايش الإسلام السياسي والدولة المدنية، وتتجه إلى المثال الليبي القائم على احتراب الإسلاميين وتبدل مواقعهم مع رفضهم الدائم للسلم الأهلي.

سورية الآن، وربما غداً، مجرد مساحة يستوطن فيها غزاة يفرضون أيديولوجياتهم بقسوة، غير آبهين بالضحايا والخراب وملايين النازحين. إنهم غزاة لا ثوار، يحاول المجتمع الدولي إغراءهم بالحل السياسي، من جنيف ذات الطموح إلى آستانة المتواضعة، لكن التجارب أثبتت ان الأيديولوجي يفضل الحرب على السلام، لأنها منصة للوعود فيما السلام مسؤولية في تلبية مطالب المتضررين.

وما يحدث في سورية هدايا يتلقاها النظام من المتطرفين الإسلاميين، فيما ينجحان معاً بتغييب معارضة نقرأ ملامحها في وجوه النازحين، وهي تنكفئ بعد تدمير مكانها الطبيعي وإخراس صوتها المستقل.

سورية الى المصير الليبي، والخطوات واضحة في هذا الشأن، أما لقاء آستانة الذي أصدر اتفاقاً أمنياً لوقف النار ترعاه ثلاث جهات على صلة بالمعارك، فيبدو فرصة أخيرة للعبور نحو حوار سياسي سوري– سوري في جنيف ترعاه الأمم المتحدة والدول الكبرى واللاعبون الإقليميون.

في يد تركيا نجاح الفرصة السورية الأخيرة، لأن روسيا تتحكم بالنظام، وإيران بأتباع النظام، فيما لأنقرة خيوط بمقاسات مختلفة مع المقاتلين الإسلاميين، تمنحها القدرة على استمالة غالبيتهم، وتتمرد الأقلية فتستحق حرباً بالفتاوى والسلاح.

ينظر السوري من أماكن نزوحه الى وطنه فلا يراه، وليست هي النظرة الخائبة الأولى، فلطالما أبعدت النخب السياسية الحاكمة والمعارضة السوريين عن معنى الوطن والوطنية، مع استثناءات نادرة في مطالع خمسينات القرن الماضي. كان التعبير عن الانتماء الوطني أشبه بمخالفة للقانون أو خيانة أو كفر في حالات كثيرة، فسورية غالباً هي الشام الشريف الباحث عن «الخليفة» أو هي قلب العروبة النابض، وقلّما نجد كلمة «وطن» في الأدبيات السائدة، حيث يميلون الى كلمة «قُطر»... يمكن في حال ضمه الى أقطار عربية أخرى، أن يتحقق حلم اسمه «الوطن العربي».