سمير عطا الله
يكتب إلى هذه الزاوية باستمرار وفي محبة، السيد كنعان شماس من ألمانيا، موطنه الحالي، ولست أعرف ما هو موطنه الأم في «بلاد العُربِ أوطاني». دائمًا يشير بوفاء وتقدير إلى ألمانيا والألمان. وذات مرة، أعطاني درسًا لا يُنسى في فهم الشعوب. كتبتُ دائمًا، مثل غيري، عن كفاءة الألمان ومهارتهم الصناعية، واحترامهم للقانون. لكنه أعطى كل هذه الصفات تفسيرًا أعمق وأرحب. قال إن الشعب الألماني يفعل ذلك لأنه يرفض أن يَخدع أو يَغش. المهارة ليست فقط في تطويع الحديد، بل في التأكد من أن الحديد الذي سوف يخرج من المصنع آمن مائة في المائة.
آمل أن يتعلم المهاجرون العرب عظمة الصدق ومدى فوائده. على المدى القصير والمتوسط والطويل. لا نجاح في الكذب والغش والخداع. حاولت مرة أن أجادل في السعر مع بائع كتب عتيقة في كولونيا. أدار وجهه عني، ورفض أن يسمع حتى عندما عرضت السعر المطلوب. المجادلة إهانة لأخلاقه وشخصه.
أصبحت أفهم الألمان أفضل بعد رسالة السيد شماس. لماذا يسيرون في الطرق المستقيمة ولو خسروا. لماذا أخذهم هتلر إلى روسيا من دون أن يسأله أحد، ألم ترَ ماذا حدث من قبلك لنابليون، عبقري الاستراتيجيات الحربية وثعلب الجبهات؟ وسوف يشعرون مرة أخرى بالأسى، عندما يسقط المارشال رومل، «ثعلب الصحراء» أمام الحلفاء في صحراء العلمين بعد صحراء طبرق. خدعوك أيها المارشال عندما قالوا إن للصحراء ثعلبًا، كما خدعوها «بقولهم حسناء».
تحيّر ألمانيا العالم. نأمل ألا تحيّره. نأمل أن تكون مثل طوباغو وترينيداد. هل حاولت زيارة المدينة الصغيرة، فايمار؟ غوتنهاوس وشيللين هاوس، في مدينة واحدة؟ هل تتساءل كيف يمكن للأصم بيتهوفن أن يضع أروع السيمفونيات الكلاسيكية؟ كيف يمكن أن يأتي بعد هتلر، عجوز مبارك يدعى أديناور، يلملم البلاد من بين ذرات الركام؟ ليس لأنه كان بارعًا، بل كان بسيطًا وصادقًا ونزيهًا. وهكذا، اضطر الحلفاء المنتصرون أن يحترموا هذا العجوز المهزوم: من أيزنهاور إلى ديغول، الذي جاءه إلى ألمانيا يوقع معه أشهر سلام في تاريخ أوروبا.
لطالما انتقدت ألمانيا عندما كنت شابًا وجاهلاً ومصدقًا أن الشعر هو حل البشرية. ثمة ما هو أهم من ذلك بكثير في حياة الشعوب والأمم. الناس لا تعيش من الشعر، أكذبه أم أصدقه. لا بد من مصنع في شتوتغارت، إلى جانب منزل غوته في فايمار. وعندما تقرر أن تضيف إلى صناعة السيارات والطائرات، الغزل والنسيج والأحذية، يجب أن تتأكد من أن نسبة الجودة مائة في المائة. خدعة واحدة وتسقط ألمانيا «من فوق الجميع» إلى تحت طوباغو وترينيداد.
التعليقات