يوسف القبلان

المدير الذي يعتقد أن الموظفين يميلون للكسل والتهرب من العمل وعدم الجدية، سوف يكثف مراقبتهم انطلاقا من فلسفة إدارية عنوانها عدم الثقة.

أحد الكتاب لخص هذه الفلسفة بقصة رجل كانت وظيفته أن يقف في الصحراء لمراقبة نحلة. ولكن كي يضمن صاحب العمل أن الرجل كان يؤدي عمله في مراقبة النحلة عين رجلا آخر لمراقبة الأول، وكانت النتيجة وجود طابور من المراقبين مهمة كل واحد منهم مراقبة الرجل الذي يقف أمامه مباشرة.

الثقة بالآخرين تنطلق أساسا من الثقة بالنفس وهي حين تكون في محلها حافز قوي لتحقيق النجاح. وهي معيار للتكليف بالمهام وتحمل المسؤوليات، وأساس لتفويض الصلاحيات. الثقة في الإدارة ذات اتجاهين، ثقة الرئيس بالمرؤوسين وثقة المرؤوسين بالرئيس. وعادة يعبر الرئيس عن شعوره في حالة نجاح المرؤوس بعبارة (كانت ثقتي في محلها) وهي عبارة تتضمن التقدير الذاتي وتقدير المرؤوس.

المدير الواثق من نفسه يستخدم (نحن) بدلا من (أنا)، هو الذي ينسب الأفكار والمبادرات والإنجازات الى أصحابها، هو الذي لا يحول نفسه إلى خبر، بل تبحث الأخبار عن إنجازاته، هو الذي يهتم بحجم الإنجاز وليس حجم المكتب، ونوعية العمل وليس نوعية الأثاث.

الثقة تعد من أهم العناصر التي تؤخذ في الاعتبار في اختيار العاملين وتشكيل فرق العمل. ولذلك يميل البعض إلى اختيار من يعرفونه جيدا، ويتجنبون المغامرة في اختيار شخص جديد، وإن تبرع أحد بترشيح شخص جديد فإن أول سؤال يطرح عليه: هل أنت واثق من هذا المرشح؟ وقد يقول: نعم على مسؤوليتي. وفي حالة الفشل يخسر المرشح ومن رشحه الثقة التي أعطيت لهما.

الثقة بين الرئيس والمرؤوس وبين زملاء العمل تجعل بيئة العمل بيئة جاذبة محفزة تعزز الانتماء والولاء والعلاقة الرسمية والإنسانية. ورغم هذه الأهمية لا يمكن أن تكون الثقة مطلقة، ولهذا السبب توجد المتابعة والرقابة والمحاسبة. ومن المحاذير في الثقة المطلقة تضخم الذات لدى الشخص الموثوق به إلى درجة تحرج رؤسائه. الثقة المبالغ فيها تؤدي أحيانا إلى عدم الإعداد الجيد كما يحصل في المفاوضات أو الاختبارات أو مقابلات التوظيف أو إلقاء المحاضرات أو المباريات والمسابقات الرياضية وغير الرياضية.

في مسيرتنا التنموية في المملكة مر علينا زمن كان الوافد من دول عربية وغير عربية هو المعلم والطبيب والمهندس والاستشاري وقائد الطائرة، واستطاع المواطن من خلال التعليم والثقة أن يتفوق في مجالات كثيرة وصرنا نبحث عن المواطن في التعليم والطب والهندسة والإدارة والأدب وغيرها، وصرنا نفتخر بتميزه، ونثق به في ميادين مختلفة فكانت النتيجة هي النجاح.