سمير عطا الله
«عندما قبضنا عليه في الوادي، لم يبدُ أبداً مثل صورته الشائعة. كان مظهره مثيراً للشفقة، ثيابه متسخة، والرائحة تنبعث منه، ويهدّه التعب. لحيته كثة شعثة، وقبّعته (البيريه الفرنسية الشهيرة) قذرة، وكان يرتدي فوق طقمه العسكري سترة زرقاء لا أزرار لها. كان بلا حذاء، إلا من قطع من جلد الحيوان في قدميه. وكان يضع جوربين، لون أحدهما مختلف عن الآخر. لقد بدا مثل أولئك الذين بلا مأوى، الذين يدفعون أمامهم عربات التسوق في شوارع المدن.
كان تشي قد أصيب برصاصة في معصمه وهو يحاول الفرار في الوادي مع رجاله. واخترقت رصاصة قبّعته. كان تشي مُحبطاً منهاراً تماماً. وها هو يرى النهاية أمامه. وعندما سمعني أعطي الأوامر لإحضار المزيد من الجنود إلى المنطقة، قال لي: لا ضرورة لذلك أيها النقيب؛ لقد انتهى الأمر».
هكذا يروي النقيب البوليفي غاري برادو سالمون الساعات الأخيرة من حياة أرنستوتشي غيفارا، أشهر ثائر في النصف الأخير من القرن العشرين: 8 أكتوبر (تشرين الأول) 1967، في إحدى غابات بوليفيا.
استسلم تشي للقوات الحكومية التي يرافقها مندوب من الـ«سي آي إيه»، لكن القرار كان عدم بقائه حياً. وفي اليوم التالي، «أعدم» بالرصاص، وتم تحنيط جثته وتجميلها بالمساحيق، لكي يصدق معجبوه حول العالم أن هذه صورته حقاً.
اتفق المؤرخون فيما بعد، بمن فيهم النقيب سالمون، أن غيفارا، مثل يوليوس قيصر، قد تلقى طعنات الخيانة، أو التخلي، من الجميع: من أميركا التي أرادت إخماد الثورة في أميركا اللاتينية، ومن رفيقه كاسترو الذي خضع للضغط السوفياتي لوقف حروب «الغيريللا» في القارة، ومن موسكو التي نقلت الحرب الباردة مع واشنطن إلى محطات أخرى.
قرر، حالماً، أن يتابع الثورة وحيداً: لا كوبا مستعدة لاستقباله مع ثورته، ولا العودة إلى بلده الأم، الأرجنتين، ولا من الممكن الانصراف إلى حياة هادئة لم يعرفها مذ تخرج من كلية الطب. عندما نقرأ الآن شهادة النقيب سالمون، نرى أن غيفارا المقاتل في كوبا وأفريقيا، ذهب إلى أدغال بوليفيا ومعه حفنة من الرجال والسلاح. وعندما قال «لقد انتهى الأمر»، لم يكن يقصد نهايته الشخصية، بل نهاية الثورة التي بدأها.
التعليقات