سمير عطا الله 

 تلعب القنوات وشركات الإعلان دوراً في استبدال العامية بالفصحى من دون أي ضرورة. وقد بدأ هذا التحريف، وليس التبسيط، في لبنان. وانتقل من لغة الإعلان إلى الرسائل الإخبارية، التي لم تدم طويلاً والحمد لله. وأصابت عدوى «اللغا اللبنانيي» الكويت، فلاحظت أن أسماء المطاعم والوجبات، وحتى المطبوعات الحديثة، مالت إلى سهولة لا معنى لها. والآن في السعودية، منحى إلى استبدال الكلمة الأعجمية بالعربية، مع أن الأصل العربي بسيط، واضح، مباشر، وليس زمخشرياً معقداً.

لست ضد التبسيط ما دام في الإطار الأصل. ولا ضد الاستعارة في الاستحالة. فجميع اللغات، مثل جميع الحضارات، تبادل وتلاقح. وقد أعطت العربية لغات الأرض أكثر بكثير مما أخذت. وحيث حل العرب، ذابت في لغتهم لغات كثيرة، وبينما غابت اللغات القديمة الأخرى، تحولت العربية إلى لغة عالمية.
وكان العلامة الأستاذ شوقي ضيف يقول: «إنها استوعبت أيضاً جميع اللغات التي سبقتها بكل ثقافاتها: الهندية وما فيها من فلك ورياضة (حساب)، والفارسية وما كان بها من نظم في السياسة والإدارة، واليونانية وما كان بها من علوم وفلسفة وطب. واستوعبت كل ما كان لدى الأمم القديمة من فكر وعلوم بفضل اشتقاقاتها الكثيرة وقدراتها على تمثل الأفكار والمعارف».
وكان الدكتور ضيف يعتبر أن عدداً من الكبار بسّطوا اللغة وسهّلوا شعابها وجعلوها، من خلال الصحافة، لغة الناس اليومية، ولم تعد هناك ضرورة للمزيد، وإلا انزلقت إلى العامية. ويسمي في طليعة هؤلاء الشيخ محمد عبده وأحمد لطفي السيد ومصطفى لطفي المنفلوطي، الذين حرروها من السجع والبديع. ويهمل في هذا الباب ذكر الأثر الذي تركه أدباء المهجر أمثال جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، متجاوزاً إلى المرحلة الكبرى التي تلت، و«أدباء الفصحى الحديثة من أمثال عباس العقاد وإبراهيم المازني وطه حسين ومحمد حسين هيكل».
وثمة جيل آخر من ملتزمي الجمال والأصل والبساطة، لم يتوقف عنده الدكتور ضيف، جيل محمد التابعي ومصطفى وعلي أمين ومحمد حسنين هيكل، الذين قلّموا الغصون من دون المس بالجذور. دافع دعاة العامية في مصر، بما دافع به رعاتها في لبنان، وهي أنها لغة الناس. ورد ضيف على ذلك بالقول: «إنها ليست لغة، إنها لهجة يومية مؤقتة، ولا تحمل لنا ديناً ولا علماً ولا فكراً ولا ثقافة، ولا تاريخاً». أكابر يا دكتور.