غسان الإمام

عندما تكتب. احذر الألغام الأرضية. فـ«قوات سوريا الديمقراطية» هي قوات كردية مرتبطة بـ«حزب العمال الكردي» في تركيا. و«مجلس الرقة البلدي» هو المجلس البلدي الكردي الحالم بالمعونة الخليجية. و«قوات التحالف الدولي» هي القوات الأميركية. والجيش النظامي السوري هو «القوات الإيرانية» المحتلة لسوريا. والجيش السوري الحر هو «الجيش التركي». وقوات «الحشد الشعبي» هي «الحشد الإيراني» في العراق. والحزب الديمقراطي الكردستاني هو حزب مسعود بارزاني. والاتحاد الوطني الكردستاني هو فلول الراحل جلال طالباني. و«هيئة تحرير الشام» هي غلاف «القاعدة». ومناطق «خفض التوتر» هي «مخافر الشرطة الروسية». و«الائتلاف» السياسي السوري هو القوى السياسية المتناحرة التي تخلت عن عروبة سوريا. والفصائل المسلحة السورية هي القوى التي عسكرت الدين بانتظار الغنائم.


إذا أتقنت هذه الترجمة، فتستطيع أن تغدو كاتباً سياسياً. ومعلقاً حربياً. ومراسلاً يحمل دكتوراه في الحروب السورية. فتتنبأ بالحل. وتتكهن باستمرار الحرب في الإذاعات والتلفزيونات. فكل شيء جائز. ومباح.
• ورث «الشبل أباه. فاستبشر السوريون به. لعله يكف عنهم بلواه. فساقهم إلى المعتقلات. فماتوا تحت التعذيب. ثاروا عليه. فشردهم. هددهم بـ«خربطة» المنطقة فوق رأس سوريا. وفَّى بوعيده. فضيَّع الاستقلال. وبات «زلمة» إيران. محكوماً لا حاكماً.
دارت المساومة بسوريا. فعاد «الشبل» مرشح التسوية الدولية وسط الصمت العربي. ترمب لا يؤيده. ولا يرفضه. ماكرون يسكت بالفرنسية عن ماضيه. ويرشحه بالعربية رئيساً للحاضر. إردوغان صادقه. نصحه بالرحيل. فرحلت بدلاً عنه أمه وشقيقته. ماتت الأم في ضيافة الخليجيين. وقُتل زوج الشقيقة الباحث عن نصف الحقيقة. تُرضع أنجيلا ميركل مليون لاجئ سوري. كانوا أمل سوريا في تنمية الاقتصاد. فغدوا أمل ألمانيا في زيادة السكان.
• ازدهر الدين. تسيَّس فبات طوائف تتناحر. ومذاهب تتقاتل. هذا «العصامي» زهر الدين «شبل» آخر. تربى في كنف الأسد. فما غادر مأواه. ترعرع في حرسه. وتورط في جرائمه. وشهد زوراً في دير الزور. هدد شعبه النازح. بالموت والتعذيب، إن عاد إلى الوطن.
الدروز ناكفوا فرانكوفونية الموارنة. تزهَّد كمال جنبلاط. فغدا فيلسوفاً هندياً. فأخاف العلويين والمسيحيين. ركب سلطان الأطرش فرسه. فأصبح بطلاً وطنياً. صارح وليد جنبلاط اللبنانيين فأحبوه. نصح دروز إسرائيل بالتمسك بفلسطين. ودروز الجولان بالتمسك بالعروبة. ودروز سوريا بالبعد عن الأسد. وبالتمسك بسوريا.
الولد سر أبيه. فهو تارة زهر الدين. وتارة قَمَر الدين. عصام زهر الدين سليل جده. انخرط عبد الكريم زهر الدين في جيش الانتداب. فترقى في جيش الاستقلال. صار عماد الجيش الذي فصل سوريا عن الوحدة مع مصر. حمل عبد الكريم زهر الدين رئيسه ناظم القدسي إلى الصحراء. فالتقيا سراً عبد الكريم «قاسم العراق» وتحالف الثلاثة على التربص بعروبة مصر.
حمى الله الكنانة. أعدم عبد الكريم قاسم العراق. وطوى التاريخ عبد الكريم زهر الدين نسياً منسياً. هذا الولد «عصام» سر جده وسليله. فضح النظام. فأسكته النظام. أجبره على التراجع عما قال. ثم ادعى أن المعارضة نسفته بقنبلة. لماذا يموت حلفاء النظام وأعوانه دائماً بقنابل المعارضة ورصاصها، أو «ينتحرون»، عندما يختلفون معه؟! لماذا «انتحر» رئيس الحكومة محمود الزعبي واللواء غازي كنعان وزير الداخلية؟ لماذا مات عمداء الجناح السلمي حسن توركماني. آصف شوكت. داود راجحة بقنابل المعارضة، عندما اختلفوا مع الجناح الاستئصالي؟!
• لكل قوم نقيصة. إذا سألت كردياً عن نقيصته. تلقيت منه لكمة فوق الحزام. ثم يسألك أن تصارحه بها. وقبضته مهيأة لتوجيه لكمة أخرى تحت الحزام.
في الحرب العالمية الأولى، رسمت أوروبا خريطة المشرق العربي. فأقامت تحت انتدابها دولاً عربية. ونسيت أن تمنح الأكراد حقاً في دولة. فحمَّل الأكراد العرب مائة سنة مسؤولية الحرمان. وكلما شعر الأكراد بضعف لدى حكومة بغداد، تمردوا عليها. برز مصطفى بارزاني زعيماً لكردستان العراق في ثلاثينات القرن الماضي. فوجه لحكومة بغداد لكمات فوق الحزام وتحت الحزام.
بعد الحرب العالمية الثانية، نصَّب ستالين «الجنرال الأحمر» مصطفى بارزاني رئيساً لجمهورية «مهاباد» الكردية في جنوب روسيا وشمال إيران. مات ستالين. فعاد بارزاني برتقالياً. فكلما تشاجرت بغداد مع طهران، تحالف أكراد العراق مع إيران. وتحالف أكراد إيران مع العراق.
صالحت جزائر بومدين وبوتفليقة الشاه مع صدام (1975). ففقد مصطفى بارزاني ورقة العناد الرابحة. استضافته أميركا. فتوفي عندها (1978). فورثه ولداه مسعود وإدريس. عاش الأول. فتوفي الثاني. انتقم صدام من الأكراد. فاحتلهم تارة. ومنحهم الحكم الذاتي تارة. وضربهم تحت الحزام. فخنقهم بالغاز السام.
تقاتل أكراد الحكم الذاتي. فمات الألوف منهم في حروب الآيديولوجيا. اتهم «التقدمي» جلال طالباني ندَّه اللدود بارزاني بـ«الرجعية» و«الإقطاعية». فاستعان الأخير بجيش صدام لحماية أربيل من ميليشيات طالباني. أسقطت أميركا نظام صدام. وسلمت العراق إلى الشيعة المتحالفة مع إيران. ووسعت الحكم الذاتي في كردستان. انتهز الأكراد سقوط الموصل في قبضة «داعش». فاحتلوا برميل كركوك. وباعوا نفطه عبر تركيا إلى العالم.
عرف مسعود بارزاني كيف يصل. ولم يعرف كيف يحكم. رحل طالباني. فتكاثر الطالبانيون. والمتأسلمون. والإيرانيون في كردستان. دعم بارزاني «شرعيته» باستفتاء الأكراد في الاستقلال. فكسب عواطفهم. وضيَّع مصالحهم. وأمنهم. واصل العناد. فلا هو أعلن الاستقلال. ولا هو تراجع عن الاستفتاء. ولا هو ساير الحلفاء والأصدقاء. فوجه اللكمات إلى العرب. والأتراك. والإيرانيين. والأميركان، فوق الحزام. وتحت الحزام.
الأصل في الحكم أن تحفظ بلدك سالماً. ونظامك معافى. كردستان تعاني قلة الراحة مع عناد بارزاني. عاند. فاتهم أكراد السليمانية ببيع برميل كركوك وأكرادها. أنقذ حيدر العبادي نصر جيشه. فمنع قوات «الحشد الإيراني» من العبث بحزام العرب. والتركمان. والأكراد. بقي على العبادي أن يعلن الانفصال التام عن هيمنة إيران.