عبدالله بن بخيت

لم تعد المملكة (الرياض وجدة أو الحرمين الشريفين) ولم تعد بلاد النفط، مساحة المملكة تشكل تقريباً ثلث قارة أوروبا، وعدد مواطني المملكة تجاوز العشرين مليوناً، يتحدث الاقتصاديون عن تنامي الاحتياجات وتزايد عدد السكان ومشاكل أخرى، ولكن بصحبة هذه المشاكل ثمة وعي بالعصر ينمو باطراد.

عاشت البشرية آلاف السنين على عدد محدود من الوظائف، فارس، ومزارع، وصانع، وشيخ، وتاجر، وإلى جانب ذلك عدد من الوظائف الأخرى، عاشت البشرية آلاف السنين على تكنولوجيا لا تضيف إلا اليسير من المساعدة لليد البشرية، لم تكن الطبيعة ملكاً للإنسان، بل كان الإنسان أسيرها، كان الحيوان وسيلته للتنقل مهما تباعدت المسافات، ولم يكن يرى في مساحة الكرة الأرضية على سعتها سوى قطعة محدودة يزرعها، وأخرى يبني عليها، هذه النظرة للعالم كانت تتملكنا وتسيطر على خيالنا رغم وجودنا في القرن العشرين، والواحد والعشرين، كنا أسرى الاقتصاد الريعي، اشترِ احتياجاتك من سوق العالم بعائدات النفط، ولذ بها في الصحراء كي لا يراك أحد.

كانت مساحة المملكة الشاسعة عبئاً يفرض علينا أن ننشئ طرقاً طويلةً لنصل حاضرة بأخرى، نتحمل مصاريف باهظة لحراستها والدفاع عنها، تسبب لمزارعنا المتاعب وتلوث حياتنا بالغبار، الاحتفاظ بها يعود إلى كبرياء الوطنية والحق الطبيعي، في العصر الحديث صار كل شيء يحقق المكاسب ويمنح الإنسان مزيداً من الرفاهية حتى النفايات، لكننا استغنينا عن هذا وصرنا نعيش رفاهية النفط وكسله، ونلوك أحلام العودة إلى الماضي.

ما يقوم به الأمير محمد بن سلمان ليس مجرد مشروعات اقتصادية ستعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، في الحقيقة ما يقوم به الأمير الشاب هو ترسية قيم الحداثة.

الزمن يزحف بنا إلى الأمام بقوته وحتميته، ورؤوسنا مستديرة لا تنظر إلا إلى أمجاد الأولين، فنتعثر في كل خطوة نخطوها لأننا لا نرى الطريق الذي فرض القدر الإلهي أن نسير عليه.

كانت الصحراء مفازة للموت والتيهان، اليوم تعتبر ثروة، كانت الشواطئ مجرد نهاية لليابسة وبوابة للصيادين لتأمين قوت يومهم، أصبحت اليوم مصدر دخل تعيش منها دول كبرى، الشمس التي نقي أنفسنا لهيبها صارت نعمة من نعم المستقبل، أضف إليها الرياح والصخر والحجر وكل شيء على وجه الأرض.

صرفنا أربعين سنة نقاتل لنخترق جدار المستحيل الذي يفصلنا عن الماضي، أعيانا الفهم أن مجد الماضي يبقى في الماضي يتمتع به أهله الذين يسكنون القبور، من يريد أن يذهب إلى المستقبل يتوجب أن يضعه نصب عينيه ويتوق لبلوغه ويكف عن التلكؤ.

معادلة صاغها الأمير محمد بن سلمان في حديثه الأخير، تحييد حراس الماضي وتصويب العيون نحو المستقبل، إلى اللقاء في "نيوم".