عبدالرحمن الثابتي

في مرحلة ما بعد الظلام وقبل الأنوار، يخالجني سؤال، بل أسئلة، هل يمكن خوض التنوير بصيغته الحديثة بنفس الرموز القديمة؟ هل يمكن القول فعلا أن التنوير يحتضر أم أن النخبة لم تعد نخبة، عندما يغرد مثقف أو روائي أو مفكر أو كاتب بتغريدات أقل ما يقال عنها «ليته لم يغرد» ماذا تنتظر من البقية؟ هنالك نزر قليل ما زال يصنع الأسئلة في عالم مليء بالأجوبة الجوفاء، ولذلك قد أصبح التنوير المزيف على المحك وبدأ التنوير الحقيقي برموز جدد.

السياسي وجه ضربة مزدوجة للتنويريين والظلاميين على حد سواء، الظلاميون كانوا هم الهدف من الضربة، ولكن التنويريين قتلوا بنيران صديقة، لأنهم كانوا ولزمنٍ طويل مجرد رد فعلٍ، لتيارٍ يحتضر منذ سنوات ومطالبه كانت ساذجة، ولذلك فقد مات الظلام ولم تولد الأنوار بعد، ونحن في ما يسمى بالغسق، النهار ينسلخ من غياهب الظلام، وهذا يحتاج بعض الوقت، بعض الوعي، بعض الألم!

لقد كان الإنسان السعودي قبل الصحوة وقبل النفط، إنسانا بسيطا لم تشغله الأسئلة فقد كان مشغولا بالطبيعة القاسية، ولم يكن يفكر مجرد تفكير بأن يسيطر عليها، أو يتحكم فيها، كان الناس في البيئة القروية أو البدوية الهادئة والتي لا يملكون سيطرة عليها، فهي تعتمد على تقلبات المناخ والأجواء ولذلك فهم معتمدون على الصبر والإيمان بالقدر خيره وشره لا سيما أنهم لم يفكروا يوما بإمكانية التحكم بالطبيعة وأن المتحكم بها هو الله وحده، ولذلك لم يتساءلوا هل بالإمكان أفضل مما كان، أو ما سيكون؟

هذه الأسئلة التي كانت المحرك الأول للفلسفة اليونانية، حيث كانوا يريدون فهم العالم بشكل أفضل ومحاولة السيطرة على الطبيعة إن أمكن، ولذلك تساءلوا عن أصل الأشياء وعن وجود التغيير من عدمه، أي هل هنالك تغير أم أن كل شيء ثابت؟ ما الذي يقوم بالتغيير؟ هل كان إنسان الصحراء فاقدا للتوق الإنساني في السيطرة على الطبيعة!

حين حلت مرحلة النفط لم يكن لدى الإنسان السعودي الوقت إلا لكي يكون غارقا في مظاهر المدنية، وبنفس الروح التقليدية، مع جرعات مكثفة من التدين والصحوة جعلته يستخدم المنتج الحضاري ويعيش قشور الحداثة دون أن يكون جزءا منها! فكما قال أحدهم إن «الأموات يمسكون بتلابيب الأحياء» لقد كان محقا فقد ألهتهم المقابر عن الحياة وعن الحداثة وعن الأنوار، هل كل الناس كانوا كذلك بمن فيهم التنويريون أيضا؟ ربما!