عبير العلي

ما شهدته المملكة العربية السعودية من تغيرات متسارعة نحو الإصلاح والتحسين على المستويات الحكومية والاقتصادية والاجتماعية خلال الأشهر القليلة الماضية كان ملفتا ومميزا، ويبعث على التفاؤل بوطن يتجه للأفضل تحت قيادة تعلم ماذا تفعل ومتى وكيف.

إلا أن قرارا ملكيا كان يوم السبت الماضي الرابع من نوفمبر يعد من العلامات الفارقة التي تغير تاريخ السعودية القديم وتشكل ملامحها العصرية الواثقة والجديدة؛ وهو القرار الملكي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعضوية رؤساء أمن الدولة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس ديوان الرقابة والتحقيق والنائب العام، يتم من خلالها حصر جرائم الفساد العام والتحقيق فيها والقبض على المتورطين بها أيا كان مستواهم الاجتماعي أو الوظيفي. وعقب هذا القرار الملكي تم إعلان أسماء أوقفت تلك الليلة في قضايا غسيل أموال والتلاعب بالصفقات والمشاريع الكبرى وغيرها من قضايا الفساد، والتي ضمت أمراء ووزراء ومسؤولين سابقين وحاليين، وكان يمثل هذا الإعلان صدمة للمجتمع ودهشة لهذه الخطوة الجريئة التي تحدث للمرة الأولى في المشهد السعودي من محاسبة أشخاص في قضايا فساد، أشخاص لهم ثقلهم الاجتماعي والوظيفي بشكل خاص.
هذه الخطوة تؤكد مبدأ الشفافية الذي تضمنته رؤية 2030، وتطمئن الشعب بأن القيادة بهذه الشفافية والمحاسبة الجادة ستكون أكثر حرصا على استقرار الأوضاع الداخلية، خاصة في جانبها الاقتصادي بحماية الأموال العامة، وعلى سيادة العدالة الاجتماعية التي بدأنا رؤية بعض ملامحها خلال الشهور الماضية، واتضحت أكثر خلال تلك الحملة التاريخية لمحاسبة المفسدين. هذه الطمأنينة تؤدي لشعور المواطن بالأمان والثقة في قيادته التي تنعكس على انتمائه ومواطنته التي تتجسد في الحفاظ على مقدرات هذا الوطن، والعمل لصالحه، خاصة وأن هذه الحملة لم تأت في سياق حراك إصلاحي وحيد، فقد سبقتها حملة ضد بعض المتشددين والمنتمين لأحزاب دينية مختلفة تنطوي على توجهات إرهابية أو سياسية معادية، وتؤكد أن المملكة وقيادتها تقفان جادتين في محاربة الإرهاب والتطرف بدءا من الداخل. وتلا ذلك إغلاق أحد ملفات الجدل القديمة حول المساواة بين حقوق الجنسين من المواطنين بالسماح للمرأة بالقيادة، مع الاستمرار في التقدم السياسي الخارجي المعهود، ومنع التدخل في سيادة المملكة وحفظ حدودها وأمنها من مختلف الجهات، والوقوف بحزم ضد الحملات المعادية من دول مختلفة. ونؤمن أن هذا العزم الذي لمسناه في الرغبة بالتغيير والتحرك الفعلي نحوها، وبدأ خطوات جريئة تجاهها، ستعقبها خطوات أخرى وفتح ملفات لم يكن يُتَوقع فتحها أو الاقتراب منها، ومن الأشخاص القائمين عليها، إما لحساسيتها الدينية أو الاجتماعية أو السياسية.
محاسبة المفسدين في القضايا التي أعلن عنها في قضايا سابقة تستدعي بطبيعة الحال أن تكون كافة الوزارات والقطاعات الحكومية بشكل أساسي مواكبة لهذه الحركة التصحيحية في المملكة، وأن يبدأ كل وزير حالي في إعادة ترتيب وزارته من الداخل، ومعالجة قضايا الفساد التي عطلت أو قد تعطل الخدمات التي تقدمها تلك الوزارة، وألا يتردد في إعلان أسماء المشبوهين والمتورطين والمعطلين لمصالح الوطن والمواطنين أيا كانت مناصبهم أو مستوياتهم الاجتماعية. 
ليلة البدء في الحرب على الفساد، وهي تفتح أبواب السعودية الجديدة على مصراعيها، وما نرجو أن يعقبها من عمليات تصحيحية في مختلف النواحي، نؤمن بعزم القيادة على القيام بها قريبا، وبحزم عهدناه منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الملك، تكتب عهدا جديدا أيضا للمواطنين لاستشعار مسؤولياتهم كأفراد تجاه الوطن، واليقين أن طرق الفساد مهما طالت وكانت شائكة وملتوية سيتم اكتشافها ومحاسبة المتسببين فيها، حتى تصبح قيم الإصلاح والنزاهة ومحاربة المفسدين نهجا لدى الجميع قيادة وحكومة وشعبا.