مات أوبراين

يحب واضعو السياسات عادة التباهي بأنهم قد منعوا الأزمة المالية من إحداث نوع من الأضرار الاقتصادية التي أحدثها الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، وهم محقون، ولكن ربما لعام آخر فقط. وهذا، على الأقل، هو الاستنتاج الواقعي لبحث أصدره مؤخراً كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي «أوليفر بلانشارد»، ووزير الخزانة الأميركي السابق «لورانس سامرز». فهما يشيران إلى أنه في حين أن الاقتصاد لم يشهد إطلاقاً هذا النوع من الانهيار التام في عام 2008 كما حدث من قبل عام 1929، إلا أن الانتعاش كان أيضاً أبطأ بكثير هذه المرة إلى درجة أنه لن يمر وقت طويل حتى يصبح النمو الكلي لدينا منذ بداية الأزمة أسوأ مما كان عليه في هذه المرحلة من الكساد العظيم. وبعبارة أخرى، فقد حقق الاقتصاد نمواً بدرجة أقل في العقد الأول من القرن الـ21 مقارنة بأدائه في ثلاثينيات القرن الماضي، حتى أن هذا يبرر حقيقة أنك تتوقع أن يكون النمو أبطأ بدرجة أكثر قليلاً اليوم، وقد وصل الكثير من مواليد الخمسينيات إلى سن التقاعد. ولا يقارن هنا الناتج المحلي الإجمالي، كما ترون، ولكن بالأحرى الناتج الإجمالي لكل شخص بالغ في سن العمل. وهذا يوضح أن قدراً كبيراً من نمو الاقتصاد يعود فقط إلى النمو السكاني، ويعطيك فكرة عن القوة الكامنة -أو الضعف- للأشياء.

وقد ساهمت شبكة الأمان، والتحفيز، وعمليات الإنقاذ والجهود غير التقليدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي لدعم الاقتصاد في الحفاظ على الأعباء البشرية لأزمة عام 2008 من الاقتراب من أي شيء يشبه ما حدث بعد عام 1929. فلم تصل نسبة البطالة إلى 25%، ولم تصبح الأحياء الفقيرة جزءاً معتاداً من المشهد الحضري، ولم تصبح طوابير الخبز هي المصدر الأساسي للناس للتغذية. وعلى رغم ذلك، كان هذا هو أدنى ما وصل إليه الحال. فنسبة البطالة التي وصلت إلى رقمين، وملايين الحجوزات العقارية ووجود الكثيرين ممن يعيشون على بطاقات التموين، كل هذا كان يشير إلى أن الوضع سيئ بما فيه الكفاية. وفي مقابل كل التقدم الذي حققناه في السنوات السبع أو الثماني الماضية، لا يزال هناك الكثير من الناس المهملين -وبالتالي، فهم يستسلمون للمخدرات واليأس.

لقد حدث انتعاش من الكساد العظيم مرتين بالفعل. الانتعاش الأول بدأ عام 1933 عندما أخرجنا الرئيس تيودور روزفلت من معيار الذهب المعمول به وفقاً لاتفاقية جنوة ليرتفع من 20.67 إلى 25 دولاراً ثم إلى 30 دولاراً للأونصة، بينما حدث الانتعاش الثاني عندما جعلنا نكثف الإنتاج لمساعدة بريطانيا. وما بين الانتعاشين، حدثت سلسلة من الأخطاء التي أخرجته تماماً عن مساره وشلت رئاسته تقريباً. وكانت العودة المبكرة إلى الحياة الطبيعية هي مجرد عودة إلى الركود -أو ما هو أسوأ.

فما السبب؟ حسناً، الأمر الذي يجب أن نفهمه بشأن حدوث انهيار مثل الذي شهدناه في عام 1929 أو 2008، هو أنه لم يحدث فقط في ميزانيات الناس، بل أيضاً في عقولهم. وأعني بذلك أن الأزمة الناجمة عن فقاعة الديون تركت كثيراً من الناس غير قادرين على الإنفاق، وآخرين خائفين من الإنفاق. ولذا فإنك بحاجة إلى سياسات للقيام بشيء ما حيال ذلك. وقد فعل ذلك الخروج عن معيار الذهب خلال الكساد العظيم من خلال زيادة التضخم بما فيه الكفاية لمساعدة الناس الذين يدينون بكثير من المال، وتشجيع الأثرياء على إنفاق أموالهم قبل أن تفقد قيمتها. وكان هذا هو ما يسمى بـ«تحول النظام»، وكما يشير الخبير الاقتصادي «سكوت سامنر»، فقد ساعد على بدء انتعاش فوري تقريباً. فقد نشط الإنتاج الصناعي فعلياً بنسبة 57% خلال الفترة بين مارس ويوليو من عام 1933 وحده. بيد أن الاحتياطي الفيدرالي لم يكن على استعداد لمثل هذا في عام 2008. ولم يكن كذلك في أعوام 2009 أو 2010 أو 2011. وإن ظل جريئاً قدر المستطاع ولكن دون تحد أي من مبادئ عقيدته السائدة -استهداف نسبة تضخم تبلغ 2%. وكان هذا يكفي للحيلولة دون حدوث انهيار كامل، ولكن ليس لبدء انتعاش حقيقي.

وفي الواقع، فقد طرح رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق «بن بيرنانكي» مؤخراً خطة لو كانت قد نُفذت اليوم، لكانت ستعني أن أسعار الفائدة لن تكون فقط صفراً في الوقت الحالي -حيث إنها تتراوح بين 1 – 1.25%- بل أيضاً على الأقل لعدة سنوات قادمة. وهذا أيضا هو الحال عندما يتعلق الأمر بالتحفيز المالي. فهو يستغرق كثيراً لتعويض اقتصاد يعاني من الآثار الجانبية للديون. ناهيك عن أن هذا يستغرق وقتاً طويلًا، أيضاً. والآن، يمكن للحكومة أن تحافظ دائماً على الاقتصاد من الانكماش من خلال ضخ الأموال. وقد تحول كل من روزفلت وأوباما بعيداً عن التحفيز ونحو تخفيض العجز على رغم الانتعاشات بسبب مزيج من النفعية السياسية والإخلاص الحقيقي لما كان يعتقد أنه إصلاح مالي. وفي أفضل الحالات، كانت النتيجة هي انتعاش بطيء الخطى، وفي أسوأ الحالات ، كانت انتكاسة صريحة وعودة إلى الركود.

والفرق بين ذلك الحين والآن هو أنه في عام 1939 بدأ أسوأ برنامج على الإطلاق للأشغال العامة، برنامج لم يستطع حتى المحافظون رفضه. وكان هذا بسبب الحرب العالمية الثانية. فقد جعل صراع الحياة أو الموت مع الفاشية العجز الضخم ممكناً من الناحية السياسية، وفي هذه العملية أعاد الاقتصاد إلى قوته الكاملة. والآن، فإن الخبر السار هو أنه لم يكن هناك أي شيء بهذا السوء لجعل الحكومة تنفق الكثير من المال اليوم. ولكن الخبر السيئ هو أنه لم يكن هناك أيضاً شيء على الإطلاق يدفع الحكومة لإنفاق أي أموال اليوم.

إذن فكروا في هذا كنقيض لاقتصاد «جولديلوكس» (اقتصاد يحافظ على نمو اقتصادي معتدل). إن الأمور ليست بائسة بما فيه الكفاية لإجبار الحكومة على بذل المزيد من الجهد، ولكنها أيضاً ليست جيدة بما فيه الكفاية لتوفير العمل للجميع. وربما لا يكون هذا كساداً كبيراً، ولكنه كساد طويل.

* كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»