سمير عطا الله

 ألقى علي عبد الله صالح في مِرجل السياسة اليمنية تعبيرين سياسيين جعلهما عنواناً لمرحلة: «تصفير العداد» و«الرقص مع الثعابين». للقدر منطقه في رحلات الجبال والطرق المتعرجة: غالباً ما يؤدي الثاني إلى الأول.

ليس من يعرف عدد المحاولات التي نجا منها الرجل الذي ظل صورة اليمن السياسية ثلث قرن كاملاً. وصل إلى السلطة في صنعاء كما وصل غيره من قبل: بعد تصفير عداد سابق. عرف أن البقاء فيها معقد والخروج خطر ولكنه رفع الشعار الذي رفع من قبل: لا بد من صنعاء ولو طال السفر.
طال السفر وطال المكوث. وخلال الإقامة شن صالح حروباً كثيرة وربح حروباً كثيرة. من حرب الوحدة إلى حرب الانفصال، ومن الحرب على الحوثيين إلى الحرب معهم. فلما استيقظ في النهاية على طبيعة التحالف والحلفاء، اصطدم بجدار الدماء الأخير.
بعد الموت لا ينفع القول إن الرجل تعرض للخيانة. الحروب كلها خيانات وذممها ضعيفة. وأكثر من كان يعرف هذه الحقيقة المريضة هو، لكثرة خبرته في الاتجاهين. ويخيل إلى المرء أنه لم ينم ليلة ملء جفونه، لا وهو يقود الحرب ضد الحوثيين ولا وهو يخوضها معهم. ربما لم تكن نهاية الحليف معروفة إلى هذا الحد، أما نهاية الحلف فكانت مسألة وقت، كلاهما يرفع شعار لا بد من صنعاء. أو من صنعا، ضرورة الوزن.
برغم سنوات العنف الطويلة، تظل نهاية علي عبد الله صالح مفزعة ومحزنة ومذهلة الحدوث. في فترة غير طويلة يعرض العرب على شاشة العالم صورة جثة زعيم قتيل. خطيب لا يكف عن الصراخ يخر فجأة جثة صامتة، غير مصدق أو متقبل مبدأ العدادات التي تبلغ يوماً لحظة الصفر.
دولتك ليست كيف تأخذها، بل كيف تتركها. معمر القذافي ترك ليبيا في الموقد القبلي الذي لم يتوقف عن إذكاء النار فيه، وترك لها بئراً لم يبق دلو إلا ورمي بين دلائها. وصاحب الصورة المؤسفة التالية وزع الحبال على الجميع وأعطى ألد أعدائه الحبل الأكثر طولاً.
اختيار الحلفاء صناعة هي الأخرى. لأن الكثيرين منهم لا يفرقون بين الحليف والرهينة. وفي اللحظة التي أعلن فيها صالح فك التحالف كانت الفرقة المعدة لمثل هذه اللحظة جاهزة. انفصل أمس وأنزل به العقاب اليوم. ما يراه حزب علي صالح خيانة يراه الحوثيون بطولة. مشروعهم ليس التحالف معه، بل القبض على اليمن.