سمير عطا الله
للذين لا يعرفون عبد المحسن القطان، هذان الأمران: الأول؛ عام 1975، في ذروة قوة ياسر عرفات، كان هو الفلسطيني الذي قال له: كيف يجوز لنا أن نعزل حزباً لبنانياً؟ لماذا لا تترك ذلك للبنانيين؟! وفي 1991، عندما احتل صدام حسين الكويت وأيدته منظمة التحرير، كان عبد المحسن القطان أحد القياديين الفلسطينيين النادرين، الذين وقفوا مع الكويت... مع الضحية.
تغيب مع «أبو هاني» مرتبة المثقف الذي لم يعط يوماً الأولوية للمال. كلما كانت أعماله تكبر، كان يحجمها ليزيد انتماؤه إلى الفكر والمعرفة، والانتماء القومي، المفعم دائماً بخلق رفيع. مرَّ بالمناصب السياسية (رئيس البرلمان الفلسطيني الرابع) مرور الواجب.
وأصبح حاكماً للبنك المركزي في جزء من خدمات لا حصر لها قدمها للفلسطينيين في الوطن وفي الشتات. أما حياته الحقيقية فكانت بين عائلتين؛ ليلى والأبناء، وكبار المثقفين من كبار الأصدقاء: إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد وأحمد بهاء الدين، الذي كان بهاء الصحافة في مصر وفي الكويت.
ترك السياسة إلى عثارها وعنفها وبقعها، وقرر منذ أربعة عقود الانصراف إلى عمل الإحسان والخير. وكعادته في كل شيء، جعل ذلك عملاً منظماً؛ فأنشأ مؤسسة تحمل اسمه، وجعل رأسمالاً لها مائة مليون دولار، مقرها لندن ومقارها الأخرى في غزة ورام الله. قبل إنشاء المؤسسة، كان عبد المحسن وليلى القطان يصرفان 200 منحة تعليمية كل عام لتلامذة من مشرق العالم العربي ومغربه. لا أعرف ما هو العدد الآن. لكن في الصيف الماضي قال لي «أبو هاني» لا بد من أن تأتي إلى رام الله لتدشين مقرّنا هناك: 5 آلاف متر مربع. الأضخم من نوعه في الضفة. وقلت له: سوف أرد عليك. كما رددت على دعوة أبو عمار: عندما يصبح ممكناً الهبوط في مطار فلسطيني.
تعود صداقتي مع «أبو هاني» إلى نصف قرن، أستطيع أن أقسم أنه لم يحدثني خلالها مرة عن أعماله. كان الحديث دائماً عن الفكر والعمل الوطني. وعندما توفي أحمد بهاء الدين تولى المساهمة الأولى في إنشاء مؤسسة باسمه.
ترافقت مع «أبو هاني» طويلاً في الكويت ولندن وبيروت وصيف جنوب فرنسا. ولا أذكر مرة أنني رأيته غاضباً، أو سمعته عاتباً، أو لاحظت فيه غروراً على كل ما فيه من رفعة... ولا مرة رأيته متنازلاً أو مسايراً أو ضعيفاً. كان هامة من ماسٍ ومن ذهب، وقامة من نبل وفكر. لم يتنازل للسياسة، ولم يضعف أمام المال، ولم يتهاون لحظة في صورته كمثال عربي. وغاب، كما عاش، معتزاً بالعروبة، حزيناً على العرب.
التعليقات