أحمد الفراج

 هل يمكن أن يكون المثقف متعصبًا لحزبه السياسي؟!، والسؤال هنا عن المثقف، وليس عن الناخب البسيط، أو العامي باللغة الدارجة، وهذا السؤال يعتبر جوهريا، لأن له صلة بمفهوم الديمقراطية، فالشائع لدى معظم الناس، خصوصا في العوالم التي لا تمارس الديمقراطية، هو أن الإنسان الغربي ينتخب من يعتقد أنه الأفضل، عطفا على البرنامج الانتخابي، الذي يطرحه المرشح، سياسيًا واقتصاديا وعسكريا، مثل أن يعد مرشح ما بدعم برنامج التسليح، أو خفض الضرائب، وغير ذلك من الوعود، وهذا غير صحيح، ففي أمريكا، على سبيل المثال، والتي يسيطر على حراكها السياسي حزبان رئيسيان، الجمهوري والديمقراطي، هناك ما يشبه التعصب للحزب، من منطلق ايدولوجي، ونادرا ما يصوت ناخب ديمقراطي لمرشح جمهوري، والعكس صحيح، في ظاهرة تكاد أن تنقض الفلسفة الديمقراطية من أساسها!.

في عام 1992، كانت الانتخابات الرئاسية في أمريكا «ثلاثية»، وغير عادية، فقد كانت بين المرشح الجمهوري، الرئيس جورج بوش الأب، الذي خرج لتوه من انتصار عسكري في حرب تحرير الكويت، والمرشح الديمقراطي الشاب، بيل كلينتون، حاكم ولاية اركانسا في عمق الجنوب الأمريكي، وهي ولاية زراعية صغيرة ومغمورة، وكان ثالثهما هو البليونير المحافظ ورجل الأعمال، روس بيروت، مرشح حزب الإصلاح، وكانت التوقعات، قبل بروز روس بيروت، تشير إلى أن بوش سيفوز فوزا ساحقا على كلينتون، ولكن ما حدث هو أن دخول روس بيروت، ودعم الإعلام له، ساهم بدرجة كبيرة في فوز كلينتون بتلك الانتخابات، إذ إن الناخبين المستقلين، الذين لا تتجاوز نسبتهم 20 % من مجموع الناخبين، لم يكونوا مقتنعين بالرئيس بوش ولا بكلينتون، وبالتالي صوت معظمهم لمرشح حزب الإصلاح، روس بيروت، رغم أن أمله بالفوز معدوم، وكانت تلك الأصوات التي ذهبت لروس بيروت ستذهب لبوش، لو لم يترشح بيروت، بحكم أن بوش وبيروت كلاهما محافظ، والنتيحة هي أن بيل كلينتون كان الرابح الأكبر من تلك الانتخابات التاريخية!

ما يهمنا هنا هو الإشارة إلى التعصب الحزبي، فرغم أن بوش الأب وعد الناخبين بخفض الضرائب، وهو الوعد الذي لم يلتزم به، إلا أن الجمهوريين صوتوا له، مع أن بإمكانهم التصويت لمرشح حزب الإصلاح، روس بيروت، الذي وعد الناخبين بإصلاحات اقتصادية كبرى، بحكم أنه رجل أعمال ناجح، وكان من الممكن أن ينتهج سياسات اقتصادية تعود بالنفع على الشعب، وذات الشيء يمكن أن يقال عن بيل كلينتون، الذي صوت له الديمقراطيون، دون أن يحاولوا تجربة سياسي جديد، أي روس بيروت، وأذكر بهذا الخصوص أنني سألت حينها صديقا أمريكيا يعمل كطبيب جراح، وهو مثقف أيضا، عن نيته في التصويت، فقال نصا: «أنا متردد، فالبرنامج الانتخابي لمرشح حزب الإصلاح، روس بيروت، مغرٍ جدا، ولكنني ديمقراطي!»، وجدير بالذكر أنه صوت في نهاية المطاف لمرشح الحزب الديمقراطي بيل كلينتون، على حساب قناعاته!، والخلاصة هي أن التعصب للحزب هو من يحدد بوصلة التصويت، لا لدى الناخب البسيط وحسب، بل لدى الطبقة المثقفة، أيضًا!