طارق الشناوي
أشهر قليلة وتبدأ دور العرض في المملكة العربية السعودية باستقبال الأفلام، وذلك بعد أكثر من 35 عاماً أغلقت فيها دور السينما.
قد يبدو الأمر لمن لا يعرف آليات صناعة السينما أنّه فقط شأن داخلي، في الحقيقة أن السينما في المملكة لها بُعدها الخليجي، وتتسع الدائرة لتصبح عربية بالضرورة، لتتسع أكثر لتشمل العالم كله ونجد رقم الاستثمار المرتقب هو مليار دولار.
شهدت السعودية في السنوات الأخيرة قفزات مهمة جداً على الساحة السينمائية، وشاهدنا مثلاً المخرج محمود الصباغ في مهرجان برلين السينمائي ولأول مرة في الدورة قبل الماضية، حيث عرض رسمياً الفيلم الجريء «بركة يقابل بركة»، وهو اسم يصلح للمرأة والرجل، ومن هنا جاءت المفارقة الدرامية بين بركة الرجل وبركة المرأة، ورأيي الشخصي أن الفيلم وصل إلى أعلى درجات الانتقاد الاجتماعي خليجياً، كما أنه قدم صورة حقيقية للمواطن السعودي، بعيداً عن تلك النمطية، التي صنعت صورة ذهنية خاطئة رسختها عشرات من الأفلام العربية، وخصوصاً المصرية.
وسبق ذلك أيضاً المخرجة هيفاء المنصور التي قدمت فيلمها «وجدة»، الحاصل على كثير من الجوائز، وبينها «المُهر الذهبي» في «دبي» كأفضل فيلم عربي، كما أنه كان أول فيلم سعودي يرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، لا أنكر طبعاً أن المخرج المخضرم عبد الله المحيسن ومنذ السبعينات له بصماته، إلا أن مخرجي هذا الجيل وضعوا السينما في المملكة على خريطة المهرجانات. الخليج في الألفية الثالثة شهد صحوة سينمائية ولا شك، وانطلق أكثر من مهرجان، وانعكس ذلك على عدد الأفلام المنتجة، وتابعنا ولادة أكثر من مهرجان سينمائي خليجي بعد «دبي».
يبقى أن السينما تتنفس بتداول الأفلام في السوق، وتحقيق الإيرادات، وهو الذي يضمن تدفق وسريان الدم في شرايين الصناعة، لا أحد ينتج لكي يخسر، أو يعتبرها مرة أولى وأخيرة. السوق السعودية ضخمة جداً، الطموح هو أن يصل إلى ألفي دار عرض في أنحاء المملكة، خلال أشهر قليلة سيتم افتتاح نحو 100، وهو رقم يقترب من عدد دور العرض في مصر رغم أن عمر السينما 100 عام.
السوق السينمائية في المملكة أعادت الأمل بقوة وأنعشت صناعة مهمة في مصر، لأن المزاج الفني السعودي يتعامل مع الفن المصري بقدر كبير من الأريحية، والدليل أن التلفزيون السعودي الرسمي بعد أن تولى الصحافي والإعلامي الكبير الأستاذ داود الشريان المسؤولية، تعاقد على شراء مسلسلين؛ واحد لنجم مخضرم، عادل أمام، والثاني لنجم قادم جديد، عمرو يوسف، في أول صفقة لرمضان المقبل.
السعودية هي أكبر سوق عربية تستقبل الفن المصري. عودة دور العرض في المملكة منح السينما المصرية مساحة اقتصادية مقبلة، وبدأ بالفعل عدد من شركات الإنتاج التي كانت قد توقفت في التمهيد للعودة للميدان مجدداً، لأن هناك موزعاً في المملكة سوف يتعاقد على تسويق الفيلم. السينما فن وصناعة وتجارة، وفي عالمنا العربي الفن وبنسبة كبيرة متوفر، والصناعة السينمائية لا بأس بها أيضاً، ويبقى الشق التجاري الذي أرى أن دور العرض في المملكة، ستنعش السوق العربية كلها لتلعب دوراً محورياً في هذا الاتجاه.
الحراك الاجتماعي السعودي الذي نتابع إيقاعه الناجح له وجهه الآخر هو انتعاش الثقافة وعلى رأسها السينما، وهو ما لا يمكن اعتباره فقط شأناً سعودياً ولا حتى خليجياً ولكنه شأن عربي بامتياز. نعم أترقب تلك الطاقة التي ستتفتح في الأشهر المقبلة بالمملكة.
التعليقات