حسين عبدالبصير
نجح السير ليونارد وولي في الكشف عن مدينة أور العراقية القديمة، فألهب أخيلة الجميع، شرقاً وغرباً. على مدار أكثر مِن 12 موسماً من الحفائر بين 1922 و1934، نشرت صحف العالم مقالات حول الاكتشاف، وخصّته جريدة «لندن» المصورة بما لا يقل عن ثلاثين مقالاً في صدرها صفحاتها الرئيسة.
أكد هذا الكشف أسبقية الشرق في إرساء مذاهب ومدارس علم الجمال وتأسيس حضارات عظيمة الثراء، وكشفت أطلال هذه المدينة عن روعة الشرق الساحر. اختبر موقع الاكتشاف نائب القنصل البريطاني في البصرة جون تايلور، بين العامين 1853 و1854، وعلى رغم أنه لم ينجح تماماً في العثور على آثار هذه المدينة كاملة، فإنه نجح في العثور على الألواح الطينية المنقوشة بالكتابة المسمارية التي أشارت إلى أور، على أنها «أور الكلدانيين»، المذكورة في سفر التكوين.
ومن ثم جرت أحداث سياسية عالمية، وأغلق الموقع الأثري في وجه أعمال الحفائر، إلى أن وقع في قبضة البريطانيــين خلال الحرب العالمية الأولى. وفي العام 1922، وافق المتحف البريطاني ومتحف جامعة بنسلفانيا على إرسال بعثة حفائر مشتركة، يتولى إدارتها ليونارد وولي؛ الذي كان أثرياً وضابطاً ذكيا للغاية؛ قضى سنتين في السجن كسجين حرب. بداية الحفائر كانت بسيطة إلى أن جاء موسم 1926-1927 حيث عثر وولي على 600 مقبرة، ثم توالت الاكتشافات المذهلة بسرعة كبيرة فاقت الخيال.
وانتاب وولي وفريقه شعور فياض بالدهشة عندما أخذ الذهب يخرج من الأرض تحت ضربات معاولهم، وظهرت المعجزات الفنية الواحدة تلو الأخرى، بالعثور على أكثر من 2000 مقبرة ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وكان بعضها على قدر كبير من الثراء، ما دفع إلى الاعتقاد بأنها مقابر ملكية.
وعلى رغم أن معظم المقابر سُرقت، فإن البعثة عثرت على واحدة لم تُمَس، تخص السيدة «بو- آبا» من «عصر الأسرات المبكر» (2600- 2500 ق.م.) عندما كانت «أور» من «دويلات المدن» المستقلة على السهل الفيضي الجنوبي لنهر الفرات.
عموماً، احتوت المقابر آثاراً في غاية الفرادة والروعة مثل القيثارات ذات الزخارف الذهبية، والأواني والحلي المصنوعة من الذهب والفضة والحجارة الكريمة، والأسلحة التي كانت ترافق الموتى في رحلتهم إلى العالم الآخر، والأوعية والخناجر، والتماثيل الذهبية المطعّمة باللازورد لـ «كبش الصيد في الشجرة»، ورؤوس الحيوانات التي زيّنت القيثارات، وغطاء الرأس الذهبي الخاص بالسيدة «بو- آبا»، والخوذة الذهبية الرائعة الخاصة بالسيدة «مس- كلام- دوك»، والمواكب الجنائزية التي ضمّت الموسيقيين مع قيثاراتهم، والجنود بأسلحتهم، وحاشية نساء القصر بملابسهن البهية.
وسيبقى اسم أور مرتبطاً عند علماء الآثار خصوصاً، وإلى الأبد بـ «الزقورات» أو الأبراج المدرّجة التي أقيمت في أور، وبقيت إلى اليوم من أكثر النصب والمعالم إثارة للدهشة والإعجاب.
وأضافت هذه الاكتشافات العظيمة فصلاً جديداً في تاريخ العراق القديم، وأوضحت حجم العلاقات التجارية الكبيرة التي تمتعت بها مدينة أور العراقية القديمة الشهيرة.
ولا يمكن للذاكرة أن تنسى هذه المدينة الفريدة من نوعها، وستبقى قصة اكتشافات ليونارد وولي، جديرة بالبقاء ومصدر فخر وسعادة لعلماء الآثار في العالم كله لسنوات طوال. وإن كان وولي أخذ مكافأته بالعثور على الجبانة الملكية الفخمة في أور، فإن أسرار هذه المدينة لم تعلن عن نفسها كلية، بوصفها إنجازاً حضارياً العطاء، لم تسبر أغواره بعد.
التعليقات