زاهي حواس
عندما قمنا في مصر باستعادة ستة آلاف قطعة أثرية مسروقة من آثار مصر، استطعنا أن نبرهن للعالم كله أننا مهتمون بتراثنا وبآثارنا. وأذكر أنه حدث عندما بدأنا في طلب استرداد رأس «نفرتيتي» من برلين، و«القبة السماوية» من اللوفر، و«حجر رشيد» من المتحف البريطاني، وتمثال «مهندس الهرم الأكبر» من هلدسهايم، وأخيراً تمثال «عنخ حاف» الموجود بمتحف بوسطن للفنون الجميلة؛ كانت ردود هذه المتاحف للآسف الشديد إما تتسم بالتجاهل أو الرفض الصريح؟!
وكنت أتصور أن مصر فقط هي التي تطالب باستعادة آثارها المسروقة، وحاولنا عام 2010 أن نجرّم تجارة الآثار، بحيث يكون العقاب قوياً في القانون المصري، ولكن للأسف كان هناك بعض النواب في مجلس الشعب لا يريدون الحفاظ على آثارنا؛ لأسباب لا أعلمها إلى اليوم! لذلك عندما حضرت ملتقى آثار المملكة الأول ووجدت أن الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني يقوم بتكريم المواطنين الذين أعادوا آثار بلدهم إلى الهيئة، كان لهذا التكريم مغزى كبير جداً، وهو أن المواطن الذي يبادر بالإرشاد عن الآثار وإعادتها يستحق تكريم بلده له؛ ولذلك فإن هذا الملتقى سوف يساهم في أن يعرف المواطن السعودي قيمة آثاره وضرورة الحفاظ عليها، وفي الوقت نفسه يعرف أن العبث بالآثار أو الاتجار بها يعتبر جريمة في حق الوطن؛ لأن هذه الآثار ملك للوطن والحفاظ عليها هو الحفاظ على التاريخ والهوية؛ ولذلك وجدنا أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني استطاعت أن تعيد أكثر من 54 ألف قطعة أثرية، وقد سجلت الهيئة أن هناك 140 مواطناً سعودياً أعادوا آثاراً كانت لديهم للوطن... وفي الوقت نفسه وجدت أن الأمير سلطان بن سلمان لديه رؤية وتصور للمستقبل، وخصوصاً عندما أيقن أن الحفاظ على الآثار لا يأتي من خلال الندوات والمناقشات، ولكن من خلال حماية المواقع الأثرية؛ ولذلك أطلقوا ما يعرف باسم «إدارة المواقع الأثرية» من خلال حماية المواقع بأسوار وترميمها وإعدادها للزيارة من خلال عمل لافتات إرشادية وطرق ممهدة للحفاظ على الآثار، وفي الوقت نفسه تنظيم المواقع الأثرية. ولم تقتصر جهود المملكة في الحفاظ على تراث عصر ما قبل الإسلام، فهناك مجهود كبير جداً في الحفاظ على الآثار الإسلامية، وهناك برنامج يعرف باسم «برنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري».
وقد أعجبتني رسالة نشرها أحد المواطنين الذين أعادوا آثاراً إلى المملكة عندما قال: «استشعاراً للمسؤولية الوطنية تجاه القطعة الأثرية التي كنت أمتلكها وحق الوطن في هذه القطعة التي تُجسد جزءاً من تاريخه وحضارته قمت بتسليمها للهيئة بوصفها الجهة المسؤولة عن حفظ الآثار الوطنية».. ليس هناك أبدع من هذه العبارة، وتدل على الوعي الموجود لدى المواطن نحو الحفاظ على آثار بلاده، وهو يقوم بذلك لأنه يشاهد سيمفونية رائعة يقودها هذا الرجل العاشق لوطنه والذي غزا الفضاء وكان أول عربي يذهب إلى الفضاء، واستطاع بالفكر والعمل والعطاء أن يحافظ على آثار بلده ويقوم بمشروعات ومبادرات وصلت إلى العالم كله، وجعلت المملكة تفخر بآثارها، وأن الإسلام قد جاء إلى الجزيرة العربية ليكون آخر الأديان؛ وليحافظ على التراث الإنساني منذ بداية تاريخ الإنسان على الأرض.
التعليقات