محمد البشاري
لا شك أن حصيلة عام 2017 مليئة بالعديد من الأحداث المهمة، السياسية والاقتصادية والأمنية، في أرجاء العالم. التي لم تخل من تأثيرات وانعكاسات إقليمية ودولية، إلى جوار سلسلة استقالات واغتيالات مفاجئة أبرز ضحاياها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.. وشهد العام 2017 انتشار احتجاجات دامية معارضة للسلطة آخرها في إيران، وهجمات إرهابية ضربت باريس وبرشلونة ولندن وألمانيا والنرويج والسويد وروسيا والصين، وضربت كذلك عالمنا الإسلامي كالعراق ومصر وسوريا واليمن وليبيا؛ والتي دمرت موجاته كنائس ومساجد ؛ كما عاش العالم على وقع محاولة انقسامات أقاليم وكوارث طبيعية.
شهدت سنة 2017 أحداثاً غيرت معالم السياسة الدولية، ولاسيما الفرنسية والأميركية، بانتخاب زعيمين من خارج المنظومة السياسية التقليدية دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون الوافدين الجديدين من عالم المال والاقتصاد إلى عالم السياسة؛ كما شهد الاتحاد الأوروبي بانسحاب بريطانيا تخبطاً سياسياً واقتصادياً هائلاً مسّ تركيبة البناء العالمي، بتفعيل رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي المادة 50 من معاهدة لشبونة، لبدء الإجراءات الرسمية للانفصال لأن بريطانيا ليست مجرد دولة، بل أحد أعمدة الحضارة الأوروبية.. بينما اهتز مركز الحضارة الغربية ؛الولايات المتحدة. والتي تمثل إنجلترا قطبه الأوروبي، فأصبح الاتحاد الأوروبي يرتكز على محوريه القاريين الفرنسي الألماني.
لقد شهد عام 2017 السياسي تطلعات الفرنسيين والأميركان للتغيير ؛ بخروج معسكرات اليمين واليسار من المشهد السياسي في سابقة أولى؛ عبر سقوط قامات ثقيلة ذات وزن وتاريخ عريق في البلدين؛ رئيس الجمهورية الأسبق نيكولا ساركوزي وآلان جوبيه آخر رجال الديجولية المحترمين ؛ورئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون زعيم حزب «الجمهوريون» اليميني، وفرانسوا هولاند زعيم المعسكر الاشتراكي، وبنو هامون رئيس الحزب وخليفة الرئيس السابق، وإقصاء المرشحين من مختلف الأحزاب الأوفر حظاً وقتها، للفوز في الاستحقاق الرئاسي، وفاز مرشح حركة «إلى الأمام» إيمانويل ماكرون بمنصب رئيس الجمهورية. ليكون أصغر زعيم في تاريخ فرنسا 39 سنة. وفي أميركا نفس المصير بأفول المنظومة الأميركية التقليدية بأفول نجم هيلاري كلينتون ومعسكرها «الديمقراطي» الأكثر خبرة ومعها ديناصورات الحزبية الأميركية من المشهد السياسي، بوصول رجل الأعمال الملياردير دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، رغم الجدل الكبير الذي رافق الشعارات المستفزة للمسلمين والمرضية لأبناء العم التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، والتي ينفذها على أرض الواقع بانسحابه من اتفاقية المناخ ومن منظمة اليونسكو، لكن الأخطر إعلانه القدس عاصمة أبدية لإسرائيل؛ ومن مفارقات الزمن أن دولة لا يتعدى عمرها 200 عام تمنح لدولة عمرها 69 عاماً مدينة عمرها 6000 عام، ولا يملكها فمن عيّنه وصيا عليها؟!
ومن عجائب 2017 وصول أسطورة الكرة في ليبيريا جورج ويا ولاعب باريس سان جرمان الأسبق إلى سدة الحكم ليصبح ضمن المشاهير الذين دخلوا غمار السياسة، ويمكن ذكر المجري بال شميت البطل الأولمبي مرتين في رياضة المبارزة، الذي ترأس بلاده بين عامي 2010 و2012، مما يؤكد تطلعات الشعوب إلى التغيير.
أعتقد بأن لليلة عيد ميلاد السيد المسيح (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام)؛ مذاقاً خاصاً هذا العام عبر العالم، ولاسيما في سوريا والعراق، بعد دحر تنظيم «داعش» الإرهابي واحتفل أشقاؤنا المسيحيون بالمناسبة في ظروف حزينة؛ لأن الكنائس هُدمت أو خرّبت في حلب من قبل عناصر التنظيم المتطرف، المسيحيون تقاسموا هناك فرحة العيد رغم الخوف الذي أصبح جزءاً من حياتهم اليومية بسبب الحرب التي لا تزال قائمة.
في الواقع احترت في تسمية عام 2017 رغم زحمة مناقشاتي في المؤتمرات الدولية لأبرز الأزمات والتحديات التي شهدها ؛فهل أسميه (نهاية «داعش» في سوريا والعراق)، ليولد تنظيم آخر تحت مسمى جديد على أنقاض «داعش» و«القاعدة»؟ هل هو عام التحدي النووي بين كوريا وأميركا؟
2017 «عام الروهينجا»
شهد 2017 تطهيراً عرقياً في جريمة ضد الإنسانية وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، بـ«المذابح الجماعية» للأقلية المسلمة في بورما (ميانمار)، فهل 2017 عام العار على المجتمع الدولي؟ فقد تمكن مجلس الأمن بالأمم المتحدة في دقائق من إعلان فرض عقوبات جماعية على «رجل الصواريخ» في كوريا الشمالية؛ بيد أن المجلس عاد بقدمه للوراء عندما تعلق الأمر باتخاذ قرار ذي معنى بشأن الروهينجا، ولم تسحب جائزة نوبل لرئيسة حكومة ميانمار. مما يطرح تساؤلات حول صدقية مجلس الأمن وعنصريته؟ وهل آن الأوان لكي ننشئ مجلساً أممياً إسلامياً وعربياً قوياً وحلف «ناتو» عربياً إسلامياً بدلاً من ترك مصائرنا في أيدي دول تبدو لنا صديقة، ولكن في المحن تعجز عن الدفاع عنا بسبب «فيتو» العم سام.
عام 2017 عام القدس
القدس تبقى إحدى أهم القضايا التي تشغل المنطقة في العام الجديد، ليس فقط من خلال الرمزية والأبعاد الكبيرة المقدسة كمدينة القيامة والأقصى وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشرفيين، بل هي مفتاح الحرب والسلم في الشرق الأوسط والعالم أجمع. القدس باتت رمز القضية الفلسطينية، وتداعيات قرار ترامب، جعلت القضية المركزية والمصيرية الوحيدة تعود إلى الواجهة من جديد، كقضية تحظى بإجماع عربي. وقد صفعت ترامب نحو 128 دولة صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يدعو واشنطن إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترضت إسرائيل على كون قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، بالتالي التصويت الكثيف لا يشكل وزناً سياسياً. بينما تناست أنها قامت أصلاً بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في اغتصاب مقنن للأرض الفلسطينية المقدسة.
هل 2017 هو عام نهاية لعبة الولايات المتحدة كوسيط مضلل للسلام لكسب إسرائيل مزيداً من الأراضي وقتل أبناء الوطن، كما فعلت أميركا في قيام دولتها؟
هل كان عام روسيا في سوريا، بعد الويلات التي حاقت بالمواطن السوري والمجازر المختلفة، لأن الإدارة الأميركية تركت الساحة السورية وسلمت ملفّها إلى الكرملين؟
هل كان عام إنقاذ بشار، فلم تعد واشنطن وباريس يطالبان برأس بشار ويعملان على بقائه كجزء من الحل بعد أن كان أساس المشكلة لدى الدوائر الغربية لرمتها؟
عام الاكتشافات العلمية المهمة
فيما يخص أسرار الأرض والبشر والفضاء الخارجي باكتشاف هيكل عظمي في المغرب يعيد كتابة التاريخ الإنساني يعود إلى ما بين 300 ألف و350 ألف عام، أي أقدم بأكثر من 1000 عام عن الحفريات البشرية التي تم العثور عليها سابقاً في إثيوبيا، بقارة أفريقيا أيضاً. وهو ما يعني أن البشر تطوروا كبشر ولم يكونوا قردة وعاشوا في مناطق مختلفة بالقارة الأفريقية، وليس في مكان واحد كما كان يعتقد في السابق. وكذلك رصد العلماء ظواهر كونية تخص حركة النجوم واصطدامها ونشوء عوالم جديدة ورصد موجات الجاذبية التي تنبأ بها العالم الشهير ألبرت أينشتاين، لكن من مصدر جديد. من اصطدام نجمين ميتين واكتشاف نظام نجمي يشبه نظامنا الشمسي يتكون من 3500 كوكب خارج نظامنا الشمسي، بعضها غريب جداً والآخر يشبه الأرض بشكل كبير. كما شهد عام 2017 منجزات علمية باهرة في ميادين تطوير النظم الآلية الذكية الموجهة لمختلف الاستخدامات العلمية والطبية والحياتية، وفي تقنيات الفضاء، ودراسات الكون، وعلوم الجينات ودراسات المخ البشري،
وفي اليابان طور باحثون طائرة روبوتية لرش المياه على الزهور.
وفي الميدان الطبي طورت جامعة هارفارد «روبوتاً طرياً» للتجوال حول القلب ومساعدته على العمل بهدف مساعدة المرضى المصابين بعجز القلب، بينما طور باحثون من جامعة نورثويسترن الأميركية نظام ذكاء يصل إلى مصاف الإنسان في تنفيذه للمهمات البصرية. وقام باحثون سويسريون بتصميم طابعة تجسيمية تطبع الخلايا والأنسجة الحية، ونجح آخرون في إنتاج جلد بشري منها يمكن وضعه لترقيع الجلد البشري. وصنع علماء في جامعة منيسوتا الأميركية طابعة تجسيمية لإنتاج «جلد بيوني» يمكن وضعه على هيكل الروبوتات لمنحها «إحساساً بشرياً». وأخيراً صنع باحثون من جامعة يوتا الأميركية مثقباً روبوتياً يسهل العمليات الجراحية على الجمجمة.
*أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي
التعليقات