صالح اللحيدان

التعصب القبلي وانتقاله إلى الكتب لا شك أنه يؤجج النعرة الجاهلية التي جاء الإسلام بنبذها وتركها بالكلية

عرض عليّ في المجلس العلمي الأعلى الخاص ما تم نشره في الجريدة الموقرة "الوطن" في العدد (5972) من يوم 7/ 5/ 1438، في الملحق الثقافي، الصفحة الثقافية، بعنوان جيد لافت للنظر، وقد تم استعراضه، ووجدنا أن "الوطن" قد وفقت لطرح مثل هذا العنوان وهو (التعصب القبلي ينتقل إلى الكتب التاريخية)، ولا شك أن هذا عنوان هو في دائرة النقد العلمي والتحليل التاريخي المكين يعتبر مما يجب طرحه ودراسته بنفس طويل على خلفية متينة، ذلك حتى يكون ما يطرح سداً وحاجزا لفهم وتأصيل وتقعيد حقيقة ما يجب أن يكون عليه الإنسان المسلم الذي يفقه الواقع ويحيط به خبرا، خاصة العلماء وأهل الثقافة والأدب.
وذلك أن التعصب القبلي وانتقاله إلى الكتب لا شك أنه يؤجج النعرة الجاهلية التي جاء الإسلام بنبذها وتركها بالكلية، فقد جاء في الصحيح (ليس منا من دعا إلى عصبية)، وجاء من طرف آخر (دعوها فإنها منتنة)، والضمير هاء يعود إلى القبيلية العصبية والنعرة الأحادية التي تجر تعدي بعض أفراد من قبائل وقبائل أخرى إلى التفاخر والتعالي، وقد يمتد هذا إلى البغضاء والحقد، وأحيانا قد يجر إلى التعدي العملي، وقد يقود هذا إلى التحقير والغيبة والنميمة، ولعله من باب آخر سبب من أسباب أن يتغلب هذا على وحدة الوطن، وهذا أمر يحتاج من العقلاء والمدركين لأن يتفهموه ويدركوه.
ولما عرض عليّ ما نشرته "الوطن" الغراء في هذا العدد حمدت لها ذلك، لأنها سابقة تدعو إلى قوة التأمل وشدة النظر.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعو كافة من يكتب عن القبيلة والقبائل أن يكتب كتابة تأصيلية بعيدة عن الخطاب الإنشائي ومجرد السرد، وإنما تكون الكتابة على أساس البحث العلمي، وذلك من باب معرفة هذه القبيلة وآثارها عن طريق السند القوي لا عن طريق الخطاب السردي العاطفي أو ما يتلقاه المؤلف أو الكاتب من الأفواه والأقوال أو الشعر.
ذلك أن هذه المسألة إذا تم طرحها على أساس حفظ النسب وحفظ الأصول والفروع فهذا جميل أن يكون، لكن الذي لاحظته أن النعرة في بعض ما يطرح وكذا العصبية والتفاخر هو ما يسود بعض ما يكتب، وقد آلمني هذا وهو يقود من جهة أخرى إلى أن يزرع في نفوس الشباب التعصب والتحزب، ويظهر من خلال ذلك المعاداة والتقاطع، ولا شك عندي وعند كثير من العلماء أن الذي يحمل وزر هذا هو من كتب أو ألّف على أساس مخالف للنصوص والقواعد العلمية.
وكثيرا ما نبهت العلماء والباحثين في كثير من الندوات العلمية والأطروحات التأصيلية إلى أن يكون الهمّ هو جمع الكلمة، بعيدا عن عصبية ما أو حزبية ما، لأن هذا فيه طغيان شيء على شيء يجب ألا يكون.
ولهذا قام الخلفاء ومن بعدهم إلى اليوم في الدول التي تفقه الواقع وتسير على منهج جيد وصالح لا يلغي القبيلة، كلا ولا يلغي الانتماء إليها، لكنه يلغي أن تكون فوق مقدار الوطن الذي هو الأم تحت سيادة واحدة ورأي واحد وسبيل واحد مقيم.
من أجل ذلك كم آمل من وسائل الإعلام ومن الكتاب والباحثين أن يلحظوا هذا الباب ملاحظة دائمة يتولد منها حقيقة ما يجب أن يكون.
وقد أشرت في كتاب (نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين) إلى ما يجب أن يكون عليه العلماء والمؤرخون فيما يطرحونه أو يلقونه.
ولا شك أن رؤساء التحرير عندي محل ثقة، وهم أول من يحسن، أن يتنبهوا إلى هذا ويسعوا إليه حثيثا حثيثا.
وقد أجمل ابن هشام في السيرة وكذلك ابن إسحاق وابن كثير، وأجمل ابن الأثير الجزري في كتابه (الكامل)، وكذا بين ابن كثير الدمشقي حال ما يجب أن يكون عليه الأمر بعيدا عن الميل إلى التعصب الذاتي والميل العاطفي.
وقد أدركت من خلال ما قرأت وعرض عليّ من خلال البحوث والدراسات التي يجب أن تطرح في مثل هذا أن تقديم العقل على القلب وتقديم العقل على العاطفة هو ما يحسن جعله أثناء الكتابة أو التأليف أو الشعر أو القصة أو الرواية.
ولعلي لأبعد النجعة إذا قلت إن من يكون سببا في بعث النعرة والعصبية القبلية يدور في فلك الإثم، ولهذا قال تعالى: "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون"، وهذه الآية لم تقيد ولم تخصص ولم تنسخ، فيبقى حكمها على العموم، ويدخل هؤلاء في المراد منها.
ولست أظن أنهم يقصدون الدخول في الإثم، لكن للعجلة دور وللعاطفة دور بيّن، فلعل من يقرأ كلامي هذا يعيد قراءته أكثر من مرة، ليلقي السمع وهو شهيد، هدى الله الجميع إلى سواء السبيل.