رائد جبر 

الكرملين متهم بكل مصائب أوروبا، من ارتفاع أسعار البندورة في إستونيا، إلى كساد موسم التفاح البولندي. وهي بعض نتائج مؤامرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشق الصف الأوروبي وتحقيق انتصارات في القارة المتعبة. هكذا، يتهكم بعض المسؤولين الروس على الاتهامات المتواصلة لموسكو بمحاولة التأثير في المسارات السياسية والاستحقاقات الانتخابية في أكثر من بلد أوروبي.

لكن السخرية التي تعامل بها الكرملين مع اتهام موسكو بمحاولة التأثير في مسار عمليات انتخابية في بلدان عملاقة مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وحتى بممارسة حملات دعائية قوية لتأليب المواطنين ضد سياسات حلف الأطلسي في بلدان أخرى مثل السويد، قابلتها لهجة حادة عندما جاء الاتهام من بلد صغير يكاد يكون الأفقر في أوروبا. فالتحقيق في شأن المحاولة الانقلابية التي أجريت أواخر العام الماضي في الجبل الأسود، يقترب من نهايته وتعهدت حكومة الجبل الأسود حيث يعيش 620 ألف نسمة، نشر نتائجه في نيسان (أبريل) المقبل، لكن التسريبات الأولى لا تبدو مريحة للكرملين، إذ تشير إلى تدخل مباشر من جانب الأجهزة الخاصة الروسية لتمويل عملية انقلابية دموية ودعمها بهدف «إشعال احتجاجات واسعة تطيح رئيس الوزراء (السابق) ميلو ديوكانفيتش وتنقل السلطة إلى المعارضة التي تطالب بالتقارب مع موسكو».

رد الكرملين جاء حاسماً ومحذراً من أنه «لا يمكن التعامل مع أي مزاعم لا دليل ملموساً عليها». وشنت الخارجية الروسية حملة قوية خلال الأيام الماضية، على «مساعٍ لتأجيج روسوفوبيا في أوروبا». ووصفت الناطقة الحسناء باسم الخارجية ماريا زاخاروفا الاتهامات بأنها جزء من «هجمة مسعورة».

يقول معارضون روس أن اللهجة الحادة تجاه الجبل الأسود تحديداً، قد يكون سببها أن أجهزة التحقيق في محاولة الانقلاب حصلت على اعترافات واضحة تثبت التورط الروسي، ما يعني أن موسكو تسعى من خلال الرد القوي إلى استباق الإعلان رسمياً عنها.

يبدو المشهد لافتاً، إذ لم تزد الاتهامات الأوروبية روسيا حتى الآن عن حدود «شن حملات دعائية كاذبة» كان من السهل على موسكو أن تفندها، وأن تطالب الغرب بتقديم أدلة عليها. والوضع في منطقة البلقان له خصوصية، حيث ترتبط موسكو بعلاقات عميقة مع صربيا، وحيث كانت روسيا تلقت أول «صفعة جدية» فيها من الغرب، بعد الاعتراف بانفصال كوسوفو. وكان لافتاً أن الديبلوماسية الروسية عمدت إلى تذكير الغرب بملف كوسوفو عشرات المرات بعد ضم القرم.

ويكاد الوضع ذاته، ينسحب على بلغاريا التي حافظت على مسافة قريبة من موسكو، على رغم العقوبات الأوروبية، ولم يهتم بعض النخب فيها بتهم مماثلة للروس بالتدخل في مسار عملياتها الانتخابية، ثم توجت توجهها أواخر العام الماضي بمنح روسيا هدية ثمينة عبر انتخاب رومين راديف الذي ركب موجة العداء للهجرة، والذي لعب الروس دوراً مهماً في تأجيجه. واعتبر فوزه انتصاراً ساحقاً لأحلام استعادة أمجاد روسيا في شرق أوروبا.

وداخل الفضاء السوفياتي السابق، يختلف المشهد قليلاً، وهنا لا تضطر روسيا إلى اللعب على وتر «الخسائر الاقتصادية نتيجة معاداة الروس»، أو الترويج لـ «فظائع» محتملة من جانب جنود «الأطلسي» إذا دخلوا السويد، أو المساهمة في تأجيج المشاعر القومية في بلدان أوروبية عبر تنظيم مؤتمرات دورية لغلاة المتشددين وإقامة اتصالات معهم. العنوان الأبرز في «منطقة النفوذ الحيوي» لروسيا هو: «الاختيار بين الجحيم الأوروبي أو نعيم العلاقات مع الشقيقة الكبرى».

هذا كان عنوان الأزمة في أوكرانيا، وهو عنوان السجالات الكثيرة والتقلبات التي شهدتها مولدافيا طويلاً قبل أن تسلّم عبر انتخاب إيغور دودون دفة القرار لأنصار سياسة «ترك أوروبا الغارقة في همومها والاقتراب من روسيا».

ومرة أخرى، برز الحديث في مولدافيا عن أصابع الكرملين الطويلة المتهمة بتأجيج أزمة داخلية عميقة، عبر استخدام أوراق ضغط مماثلة لتلك المتوافرة في جارتها الأوكرانية مع وجود إقليم بريدنوستروفيه الانفصالي الذي يسيطر عليه الروس سياسياً وعسكرياً.