فهمي هويدي

الحوار بين الأزهر والفاتيكان الذي جرى فى الأسبوع الماضي بادرة تستحق الترحيب، خصوصا فى الوقت الراهن. إلا أنني أخشى أن يفوِّت الطرفان الفرصة، بحيث يجهض الحوار ويصبح ضحية العناوين التقليدية التي مللنا سماعها عن إدانة الإرهاب والتطرف وإعلان البراءة منهما إلى جانب الدعوة إلى التنافس على إشاعة المحبة والسلام.

إلى غير ذلك من العناوين المفروغ منها والتي حفظناها بحيث ما عدنا بحاجة إلى أن نجترها في كل مناسبة. ذلك أنني أزعم أن الفاتيكان يتحمل مسؤولية خاصة هذه الأيام التي ترتفع فيها عاليا أصوات كراهية الإسلام والمسلمين، ويتبنى تلك الدعوة سياسيون كبار في الولايات المتحدة وأوروبا. وموقف الرئيس الأمريكي الجديد واضح في هذا الصدد، كما أن بعض السياسيين الأوروبيين صاروا يرددون أفكاره ويزايدون عليها، بحيث صارت «الإسلاموفوبيا» إحدى الحقائق البارزة التي لا سبيل إلى إنكارها في المجتمعات الغربية، صحيح أن ثمة استثناءات على ذلك. تعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نموذجا لها، إلا أن صوتها أصبح يعبر عن أقلية بين السياسيين والشعويين الغربيين، الذين تتجه أسهمهم للتصاعد كل حين. صحيح أيضا أن خطاب الساسة الشعوبيين ليس موجها ضد المسلمين وحدهم، ولكنه ضد الأجانب بشكل عام (قبل أيام قتل مهندس من أصول هندية في ولاية كانساس الأمريكية بعدما صاح قاتله في وجهه قائلا :خرجوا من بلادنا) ــ إلا أنه لم يعد هناك خلاف على أن المسلمين أصحاب النصيب الأكبر من حملة الكراهية الراهنة. يشهد بذلك قرار الرئيس الأمريكي بمنع دخول مواطني ٧ دول إسلامية إلى الولايات المتحدة. وهو القرار الذي جمَّده القضاء، ويبحث الرئيس المذكور في كيفية تنفيذه بوسائل أخرى.

إن الأزهر إذا كان مطالبا بأن يوضح موقفه من التطرف والإرهاب، فإن الفاتيكان من موقعه في قلب أوروبا مطالب بأن يعلن موقفه إزاء حملة الإسلاموفوبيا التي لا تكُف عن شيطنة المسلمين وتعبئة الرأي العام الغربي ضدهم، ولا يكفى في هذا الصدد ألا تصدر عن بابا الفاتيكان إساءة إلى الإسلام، مثل سلفه البابا بندكتون السادس عشر الذي اعتبر الإسلام ديانة انتشرت بالعنف، كما لا يكفى أن يذكر البابا الحالي فرانسيس الثاني الإسلام بخير، ولكننا نتمنى أن يعلو صوت بحيث يقود الدعوة إلى إنصاف المسلمين والتعايش معهم، لمواجهة حملة الشيطنة ودعوات الكراهية التي يطلقها السياسيون الشعبويون في مختلف أرجاء أوروبا. عند الحد الأدنى فليتنا نسمع صوت البابا فرانسيس بذات القدر الذي سمعنا به صوت السيدة ميركل في ألمانيا الذي اتسم بالنزاهة والشجاعة الأخلاقية.

لا جديد في البيان الذي صدر في نهاية اجتماعات ممثلي الأزهر والفاتيكان، حين دعوا مثلا إلى معالجة أسباب التعصب والتطرف والإرهاب، من فقر وأمية وجهل إضافة إلى العبث بالنصوص الدينية، فمثل هذا الكلام لا يحتاج لحوار بين ٣٠ شخصية من الجانبين على مدى يومين في رحاب الأزهر. حتى أزعم أن فكرة الاجتماع الذي تم بعد قطيعة استمرت سبع سنوات أهم من البيان الذي صدر عنه يوم الخميس ٢٣/٢. وسوف يكتسب ذلك الحوار أهمية أكبر لو قام كل طرف بما عليه، خصوصا إذا قاد الفاتيكان ومعه الأزهر حملة التصدي للإسلاموفوبيا وتداعياتها الخطرة.

لقد دأب الغربيون على إعطائنا دروسا في التعددية وأهمية قبول الآخر، وحان الوقت الآن لأن نذكرهم بضرورة دعوة شعوبهم لاحترام تلك القيم، وسيكون شيئا جيدا أن يسهم الفاتيكان بدوره في هذه المهمة الجليلة، ليس فقط لإنصاف المسلمين ولكن أيضا لتطهير الذاكرة التي تحدثت عن مساندة الفاتيكان للنازيين في ألمانيا، وتلك التي لم تنس رعاية البابوية لمحاكم التفتيش التي استهدفت مسلمي الأندلس في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.