عبدالعزيز السماري

 كانت ظاهرة العولمة إلى زمن قريب واقعًا لا مفر منه؛ فقد تم فرضها عالميًّا لدرجة أنها تحولت إلى نظام عالمي موحد، لكن يبدو أنها في طريقها إلى الانهيار؛ فقد أعلنت الإدارة الأمريكية الحالية قُرب نهاية زمن العولمة؛ لأنها ترى أن لها نتائج كارثية على الاقتصاد العالمي. وقبل ذلك قررت بريطانيا مهد الليبرالية في التاريخ الخروج من السوق الأوروبية، وعودتها إلى الوطنية، ومهمة توطين الاقتصاد داخل حدودها.

اشتملت السياسة الجديدة التي يعمل بها الرئيس الأمريكي الجديد على إلغاء الاتفاقيات التجارية، مثل اتفاقية النافتا، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي وصفها بأنها كارثية للبلاد.. وتتعهد الإدارة الحالية بأن تجعل من أمريكا دولة عظمى مجددًا بالحد من الواردات وزيادة الصادرات.

في حين دافع الرئيس الصيني شي جين بينغ عن العولمة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا، وقال إن الناس يتساءلون ما حصل من خطأ؟ ولماذا ينظرون إلى العولمة، التي كانت تعتبر يومًا ما مغارة الخزانة، بينما أصبحت الآن «صندوق باندورا»؟

وصندوق باندورا أسطورة يونانية، تحكي أنه بعد سرقة بروميثيوس النار أمر زيوس ابنه هيفيستوس بإطلاق المرأة باندورا كجزء من العقوبة على البشرية، وأعطيت باندورا الكثير من الهدايا من أفروديت وهيرميز والكارايتات وهوري..

حذر بروميثيوس شقيقه إبيميثوز من أخذ أي هدية من زيوس خوفًا من أعمال انتقامية، غير أن إبيميثوز لم يصغِ، وتزوج باندورا التي كانت تمتلك صندوقًا أعطاها زيوس إياه، وأمرها بألا تفتحه، غير أن باندورا فتحت الصندوق، وخرجت كل شرور البشر منه، وحين أسرعت باندورا لإغلاق الصندوق لم يبقَ فيه إلا قيمة واحدة لم تخرج، هي الأمل..

العولمة أو الليبرالية هي المرأة باندورا، التي أطلقها الغرب لإغواء العالم والسيطرة على خزائنه وثرواته، لكنها فتحت صندوق أسرارها للعالم، وكان ثمن ذلك انتقال الثروات من الغرب إلى الصين والهند، وكانتا الرابحتَين في كسب ود باندورا بعد إطلاقها في الغرب لإغواء العالم..

الغائب الأكبر في قصة باندورا أو غواية الليبرالية هم العرب؛ فقد كانوا غائبين عن ميدان المنافسة لكسب ود المرأة اللعوب؛ فبعد أن نجحت الصين والهند في كسب المساحات في ميدان المعركة لم يفهم العرب أسس اللعبة، ولم يدركوا أن المرأة اللعوب تختار في نهاية الأمر من يخدمها ويوفر لها السرير الوثير، أو يدفع لها أكثر، فكانوا أشبه بالأطرش في الزفة.

والأطرش في الزفة هو الشخص الذي لا يسمع، ولكن موجود في زفة العرس، وليس أمامه إلا أن يقلد الناس بدون معرفة لما يقولون أو يفعلون، يضحك لضحكهم، ويرقص لرقصهم، وتنتهي الزفة وهو لم يدرك ماذا حدث، وماذا قال أهل العروس في زفتهم.

والأطرش في الزفة مثل شامي، وفيه نوع من اللطافة لإيصال المعنى الخفي، ويقابله في أواسط جزيرة العرب المثال الشعبي الشهير والقاسي (أصقه الكلاب)، وهو مثل يحكي قصة أحد الكلاب الذي فقد سمعه، ولم يعد يفرق بين التثاؤب والنباح، وعندما يرى كلاب الحي تتثاءب ينبح، وهكذا.

أيها السادة.. يبدو أن حفلة الليبرالية الاقتصادية والعولمة في طريقها للانحسار؛ وهو ما يعني عودة الدولة الوطنية والاقتصاد الوطني، والقدرة على حماية الصادرات والتقليل من الواردات. وعلى من بقي من العرب في الساحة أن يدرك قبل فوات الأوان المرحلة الجديدة، وأن يحسن توقيت المتغير الجديد؛ فالشركات الكبرى والعابرة للقارات سينتهي دورها بعد عودة الدولة الوطنية في الغرب أمام اكتساح التنين الصيني والتاج الهندي العالم.