فضيلة الجفال

 بين زمن الطفرة وزمن التحول الاقتصادي ثمة تغييرات كبيرة يمكن دراستها والعمل عليها داخليا كما خارجيا. والمقصود بداخليا هو المشاريع الاقتصادية بالتوازي مع دراسة والعمل على البنية الاجتماعية للدولة. وخارجيا بطبيعة الحال العلاقات الدبلوماسية الاقتصادية الدولية. والداخلية المؤمل في مجملها أن تكون تغييرات إيجابية، ويمكن أن يكون لبعضها انعكاس سلبي تفرضه طبيعة أي تغيير، خاصة إذا لم تكن هندستها بحجم التحول والتغيير المطلوبين. زمن الطفرة له إيجابياته وسلبياته وزمن التحول الاقتصادي له أيضا إيجابياته وسلبياته.


وهذه التغييرات تطول كل شيء من السياسة حتى المجتمع في نزعاته وثقافة العمل كما الاستهلاك. وكما هو واضح في عملية التحول الاقتصادي الجاري الآن في السعودية، فرضت الحالة أيضا تغييرات سياسية واجتماعية وثقافية. وهي تغيرات تفرضها طبيعة المرحلة والتجاوب معها وليس القفز عليها. ذلك أن الاقتصاد هو الظرف الحيوي في عملية التغيير الكبير وهو الدينمو الذي يشغل بقية تفاصيل الدول وخريطتها الكاملة داخليا وخارجيا. فالاقتصاد أيضا هو جانب مهم لتحليل وقياس العلاقات الدولية في النظام العالمي.
التنمية مشروع ديناميكي مركب لا يسير على عكاز الاقتصاد وحده، بل يتداخل وتغييرات وتطويرات مختلفة تتعلق بجوانب تحقق التكامل للمشروع. وهي تتطلب إحداث تحولات رديفة لكي توفر المناخ الحيوي للنجاح. التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هو عملية مترابطة. ولا شك أن للمفكرين دورهم في تخطيط عملية التنمية لكن يبقى الأمر للسياسي المنفذ وطريقة تنفيذه وتعاطيه مع المهمة. وهي مهمة تحتاج إلى عمق في الرؤية والنظر، أشبه برؤية تفاصيل المدينة من أعلى برج فيها. وتمر السعودية الآن بما يمكن تسميته إحدى كبريات مراحل التحول في تاريخها، وهو التحول الاقتصادي. ولكي يتم هذا التحول بصورته الناجحة، تطلب ذلك تغييرات أخرى رديفة هي في حد ذاتها عمق التحول الاقتصادي نفسه. نجاح التنمية مرهون أيضا بالأداء الاقتصادي، وهذا أيضا ما يفسر نجاح بعض أكبر التحولات الاقتصادية المذهلة في بعض دول آسيا مثل الصين واليابان وماليزيا. وذلك عائد بشكل رئيس إلى الاستراتيجيات المعتمدة في التنفيذ. التي أيضا ذهبت إلى أبعد من مجرد التفكير داخل الصندوق الاعتيادي باستحداث استراتيجية تعجل بالتنمية ولا ترضخها لعملية تلقائية عفوية. السرعة القياسية مع النجاح في ذلك كان مثار الدهشة. ومثال على ذلك أيضا، التغيرات الاقتصادية - الاجتماعية الأخيرة التي حدثت في السعودية والتماهي مع التغيرات بسرعة يشي بجاهزية كبرى كان ينتظرها المجتمع. وهذا أمر إيجابي ومساعد جدا.
الإصلاحات الاقتصادية ليست معقدة جدا وإن بدت كذلك، لكنها مركبة جدا بصفتها package متكامل، وهذا الأمر مسلم به. لكن الأمر الذي لا يمكن الاختلاف حوله هو أهمية عامل الزمن في تعقيد أو تخفيف الصعوبة، وذلك بطبيعة الحال يترك أثره في التكلفة المترتبة على التأخير. والأهمية تكمن في تنفيذ مهندسي هذا المشروع الكبير للتحول والإحاطة بكل مكوناته. لذا التحول الاقتصادي هو ثلاثية: المهندس، والاستراتيجية، والوقت.