محمد حسن مفتي
في وقت فقد فيه المواطن العربي جل اهتمامه بانعقاد القمم العربية الواحدة تلو الأخرى، وبات مسكوناً باليأس المزمن من أن تتمكن تلك القمم العربية المتتالية من تغيير الوضع القاتم الذي يلم بالأمة العربية منذ عقود طويلة، عدت بذكراتي لأسابيع قليلة مضت عندما التقى الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الأمريكي ترمب في واشنطن، فبتولي ترمب رئاسة الولايات المتحدة انتهت حقبة من العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة تميزت بالإحباط وعدم التفاهم وانعدام الثقة تسببت فيها الإدارة الأمريكية السابقة.
من المؤكد أن الرئيس الأمريكي بعد توليه الرئاسة بالفعل اكتشف أن وعوده الانتخابية لا يمكن تنفيذها بحسم وبساطة على أرض الواقع كما كان يظن فيما سبق، ومن هنا فقد بدأ في البحث عن حلفائه بالمنطقة، ممن يشاركونه الكثير من رؤاه بشأن العديد من القضايا كالإرهاب وطرق مكافحته، وممن يمكنه الثقة فيهم والتعويل عليهم، وهنا لم يجد سوى المملكة قلب العالم الإسلامي وحائط الصد أمام طمع إيران في خيرات المنطقة، وضد خطابها الطائفي الهادف إلى هز استقرار المنطقة وزعزعة أمانها.
ولا شك أن المملكة تعد عن جدارة الصندوق الأسود الخبير بكافة الصراعات في المنطقة، واستخبارات دول العالم جميعها تستعين باستخباراتها وخبراتها في مجال مكافحة الإرهاب الشرق أوسطي، والمملكة بالنسبة للولايات المتحدة ليست طرف نزاع يسعى للحصول على مساعدة منها للتغلب على صراع لها مع طرف آخر بالمنطقة، بل هي مفتاح الحل الذي يلجأ إليه الخبراء لفهم ما يدور في كواليس المنطقة من صراعات خفية، وبهذا يعد لجوء ترمب للاستعانة بالمملكة ممثلاً في لقاء استثنائي بينه وبين الأمير محمد بن سلمان عودة لجادة الصواب وتمسك بحكمة افتقدتها الإدارة السابقة، والتي تسببت في تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة وجرها لمستنقع من النزاعات التي تبدو بلا نهاية، وبالذات في سوريا واليمن.
ولكن المملكة تعي جيداً أنه من مصلحتها ألا تعول على أي نوع من أنواع التحالفات، وألا تفرط في التفاؤل في علاقتها بهؤلاء الحلفاء، والذين غدوا أقرب للفحة الهواء التي تمر على وجوهنا ولكنها سرعان ما تغادرنا وتعرض عنا، غير أن الموقف يختلف بالنسبة للقمة العربية التي طالما أملنا في أن تقف يوماً ما وقفة ذات مغزى في وجه التحديات التي تواجهنا جميعاً كمنطقة عربية شرق أوسطية، وفي كل مرة يحدونا الأمل أن يتمكن الزعماء العرب من اتخاذ موقف متماسك ولو على نحو نسبي إزاء الأخطار التي تحدق بنا، ولا شك أن انعقاد القمة العربية في هذا التوقيت الحرج الذي تعاني فيه أربع دول عربية من أوضاع مأساوية يحتم عليها الخروج ببعض النتائج الإيجابية بعيداً عن شكلياتها التقليدية، فسوريا واليمن وليبيا والعراق تعيش شعوبها الأمرين وهي تحيا على صفيح ساخن، وما لم يبدأ علاج أزماتها على الفور فإن الأمر مرشح للتمدد والمزيد من الانفجار في عدد من الدول الأخرى المتاخمة لها.
جدول أعمال القمة العربية تصدر قائمته خطر الإرهاب الإيراني المستفحل وقضية فلسطين الدائمة والحائرة، غير أن الأمور التي بدأت تتأزم يوماً بعد يوم، ومع سقوط أعداد كبيرة من الضحايا قتلى ومصابين ومشردين وأرامل ويتامى، ومع انهيار البنى التحتية والمرافق الأساسية في تلك الدول المنكوبة، أصبح التحرك العاجل والسريع هو الفريضة الغائبة التي يتعين على الجميع التضامن والتلاحم لإعادتها لمسيرة الحياة العربية، وهو الثمن الذي يجب على الجميع أن يبادر بدفعه اليوم قبل الغد، فكلما عجلنا برأب صدوعنا وإبراء جروحنا تمكنا من إبعاد الأخطار والأعداء المتربصين بنا، فهل حققت القمة العربية ما نتمناه؟ وهل يتمكن العرب من تضميد جراحهم الدامية بأنفسهم دون انتظار مساعدة او إعانة من حليف أو صديق لا يشاركنا اللغة ولا القيم ولا العادات ولا التاريخ ولا العقيدة؟ «لا تدري لعل اللهَ يُحدِثُ بعد ذلك أمْراً».
التعليقات