عبدالله العوضي

في «الجنيفات» الخمس، كان الحديث مُركِّزاً على المرحلة الانتقالية في حكم سوريا التي هُجِّر منها قرابة ثلاثة عشر مليوناً، ومدة هذه المرحلة تقترب من أربعة أعوام من الآن، وقد دخلت الحالة المستعصية على السنوات السبع العجاف.

خلال الفترة الماضية، كانت الحلقة المفرغة التي دار حولها العالم، الرهان على بقاء الأسد أو رحيله، وعلى رأس هؤلاء أميركا التي كانت تتحدث عن ضرورة الرحيل أثناء المرحلة الانتقالية.

وبعد المؤتمرات الخمسة، خرجت أميركا، وعلى لسان وزير خارجيتها أخيراً بوضع مصير الأسد بيد الشعب السوري، وترحيل التركيز الأول للتركيز على الإرهاب، وهو ما أصرّ عليه وفد النظام في كل جولاته سواء في أستانة أو في سويسرا.
منذ بداية الحراك السوري وبضغط قوي من «الربيع العربي» الهائج في 2011، كان خروج الشعب من أجل الحرية، الديمقراطية، العدالة، المساواة وأخواتها من هذه الشعارات، وإن اختلفت الكلمات أو المطالبات.

وكان بإمكان النظام آنذاك أن يتعهد بتوفير الوظيفة، والعافية، والتعليم، بمعنى الأمن الوظيفي، والاجتماعي والصحي، بالأسلوب الذي ترتئيه لتهدئة النفوس، وإعادتها إلى الإنتاج والتنمية، وكل ما يخدم الوطن السوري ولأسكت دعاة «الربيع» المزيف في عهده، ولكن الأمن خرج عن الطوق، حتى حان وقت النداء بالرحيل للنظام وعلى رأسه الأسد وعائلته.

ابتداءً من العام 2015 وإلى الآن، أي قرابة ثلاث السنوات الأخيرة تغيَّرت المعادلة السورية رأساً على عقب، ولم تعد سوريا انطلاقة «درعا» هي ذاتها اليوم بعد دخول أكثر من 60 دولة متحالفة ضد «داعش» الذي زاد الطين السوري بلة.

وأصبحت المعارضة معارضات، والجبهة جبهات، والجيش الواحد جيوشاً تحارب بعضها بعضاً، حتى دخلت روسيا بإذن رسمي إلى الساحة، وإيران من قبل ذلك رجحت كفة النظام في معاركه الأخيرة بعد أن صارت سوريا أرضاً مستباحة للجميع، حيث تكاثرت الميليشيات التي رفعت السلاح ضد الكل ولا تعرف من المنتصر وعلى مَنْ؟!

الصورة اليوم أكثر قتامة مما نظن.. حسناً، فهي فرحة للنظام لأن أميركا، وتركيا، ودولاً أخرى لم تعد تطالب بالرحيل لأي عنصر من النظام الحاكم فضلاً عن الأسد نفسه.

فهُناك قرابة ثلثي الشعب السوري في المهجر الداخلي والخارجي في جميع أنحاء العالم يبحثون عن نسمة للأمن والأمان المعيشي أولاً وأخيراً، وليس السياسي الذي أطاح بأماني أهل «الربيع العربي» في واد سحيق.

تضاف إلى ذلك سلسلة التضحيات الجسام بالأرواح والأنفس والثمرات، فقرابة نصف مليون مقتول بكل سبل القتل غير الرحيم، ولا نعلم شيئاً عن عدد الجرحى، والمفقودين، والمسجونين لدى النظام والمعتقلين باسم الشبهات والظنون السيئات.

وفيما يخص العمران، فقد وصلت خسائر سوريا حتى الساعة قرابة تريليون دولار، دون حساب لقيمة الإنسان بالطبع، فعدد المنازل المهدمة على رؤوس أصحابها قاربت المليونين، وهي غير البنية التحتية للدولة السورية التي لم يعد لها ذكر حتى في ثنايا الأخبار.

ترى هذا الفناء الذي طال كل شيء في الوطن السوري، يكافأ اليوم ببقاء النظام، دون أن يطالب بتحقيقه أي عدالة مقبلة أو حكم رشيد، كما كان يدعو إليه «بان كي مون» أثناء وجوده على رأس المنظمة الأممية التي غادرها دون أن يأخذ معه القلق الذي ظل يعانيه طوال فترة رئاسته.

تركت المعارضة في المؤتمر «الخامس» في جنيف معلقة في الهواء دون أن تطأ أرجلها الأرض السورية، وإن كانت تزعم أنها تمثل كل الأطياف السورية المفترض أن تقوم في الفترة الانتقالية الحالمة بإحلال للشعارات السابقة على قلب كل إنسان سوري ذاق شيئاً من ويلات الأطراف المتصارعة طوال الفترة السابقة، والتي يبدو أنها ستستمر حتى يكتمل عقده على ذات النهج المأساوي.

استطاع النظام بمساعدة روسيا، وإيران، وميليشيات «حزب الله»، ودخول الإرهاب الـ«داعشي» أن يتغدى بالمعارضة قبل أن تتعشى به، واستطاع الإرهاب الذي دخل على الخط الساخن للمعارك الطاحنة أن يساهم في تدمير الوطن السوري أكثر من إلحاق الأذى الشديد بالنظام وأعوانه، وهو ما استفز «ترامب» للقبول بالأسد في المرحلة الانتقالية حتى يهب في دحر الإرهاب القضية المركزية للاعبين رئيسيين في هذه المرحلة الحرجة.