جهاد الخازن

لو أنني كنت مغامراً أو مقامراً لقلت أن إيمانويل ماكرون سيفوز بالرئاسة الفرنسية في السابع من الشهر المقبل. غير أنني حذر، حتى لا أدعي الجبن، وقد رأيت دونالد ترامب يفوز بالرئاسة الأميركية فقنعت من توقعات المستقبل بالصمت، وبالتالي لا أقدم ماكرون على مارين لوبن أو أؤخره عنها.

يُفترض أن يفوز ماكرون بالرئاسة فكل خاسر قال أنه سيدعمه أو يقف على الحياد. إلا أنني أكتفي اليوم بعرض ما أعرف عن المرشحين للرئاسة فهما طرفا نقيض.

ماكرون عمره 39 سنة وهو لم يخض أي انتخابات من قبل. هو رجل مال وأعمال عمل يوماً لبنك روتشيلد وأسس حزباً اسمه «إلى الأمام» لخوض الانتخابات. هو يؤيد الاتحاد الأوروبي، ويريد موازنة مشتركة للدول التي تتعامل باليورو، ويريد خطة استثمار قيمتها 50 بليون يورو، وخفض الإنفاق الحكومي بمبلغ 60 بليون يورو، وإخراج 120 ألف موظف من دوائر الحكومة مع حلول سنة 2022. وإذا فاز سيلغي الضريبة على البيوت لنحو 80 في المئة من الفرنسيين، ويجعل الدولة تدفع ثمن النظارات الطبية وتصليح الأسنان والسماعات للأذنين.

في المقابل، لوبن عمرها 48 سنة، وهي محامية تزوجت مرتين، وترأس الجبهة الوطنية التي أسسها أبوها وطردته منها. وقد استقالت من رئاسة حزبها موقتاً على ما يبدو. هي تريد التفاوض مع الاتحاد الأوروبي لإعادة سيطرة فرنسا على حدودها، وتريد أن تخرج فرنسا من استعمال اليورو، وإجراء استطلاع ليقرر الفرنسيون ما إذا كانوا سيبقون في الاتحاد الأوروبي. هي ستطرد المهاجرين غير الشرعيين وتجمد دخول اللاجئين الشرعيين إلى البلاد.

ربما كانت انتخابات الرئاسة الفرنسية ستتخذ شكلاً آخر لولا أن فضائح لاحقت المرشح فرنسوا فيون، رئيس الوزراء الأسبق، فتراجع إلى المركز الثالث فقد نال هو وجان لوك ميلانشون 19.5 في المئة من الأصوات، مقابل 23.7 في المئة لماكرون، و21.7 في المئة نالتها لوبن.

إذا نظرنا إلى هذه النتائج نجد أن الأحزاب التقليدية الفرنسية خسرت وصمد خصومها. ماكرون يمثل الأمل بالمستقبل، ولوبن تمثل الغضب، أي غضب الناخبين، خصوصاً من الشباب، على المؤسسة السياسية التقليدية التي يرون أنها فشلت في خط طريق مأمون للمستقبل.

الحكي أسهل من التنفيذ، وأرى أن بعض مشاكل فرنسا صعب إلى مستحيل. البطالة في فرنسا في حدود 11 في المئة أي مرتين أكثر من ألمانيا أو بريطانيا، والمشاريع التي تحدث عنها كل من المرشحَيْن الفائزين لا يمكن تنفيذها في يوم وليلة، كما أن إيجاد المال الكافي لبدئها صعب في بلد سن التقاعد فيه 60 سنة، وأسبوع العمل 35 ساعة.

الاتحاد الأوروبي رحّب بتقدم ماكرون على المرشحين الآخرين، ورئاسة الاتحاد تعتقد أنه سيفوز بالرئاسة، وستكون فرنسا في عهده من دعائم الاتحاد الذي كان السوق المشتركة عندما أسسته ست دول بينها فرنسا.

لا أعتقد أن الأمر بالسهولة التي يريدها الاتحاد الأوروبي، ففي فرنسا فشل نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند في تحقيق ما وعدا به. وعندما حاول ساركوزي أن يرشح نفسه مرة أخرى للرئاسة هزِم هزيمة قاطعة أمام هولاند.

فرنسا اليوم تعاني من إرهاب فالت من كل عقال، يقتل الأبرياء، ولعل الإرهاب الأخير في شارع الشانزليزيه عزز فرص ماكرون ولوبن ضد المرشحين الآخرين. لكن، أسأل: هل عند المرشح الفائز بالرئاسة بعد أسبوعين القدرة على قمع الإرهاب؟ أتمنى ذلك غير أن التمنيات ليست سياسة، وإنما تعبر عن رغبتي، وأراها رغبة كل فرنسي في قهر الإرهاب.

لم أجزم برأي في البداية، ولا أجزم برأي في النهاية، وإنما أغلب الأمل على واقع عايشناه جميعاً.