سعود الريس

< منذ تولي الرئيس دونالد ترامب سدة الرئاسة الأميركية، والإعلان عن مواقفه التي مست طهران بشكل مباشر في المنطقة، وقلبت الطاولة عليها، نزعت إيران هدوءها المزيّف الذي كانت تسعى للظهور به، فبعدما أعلن ترامب أن أول زيارة خارجية له ستكون إلى السعودية، وضح ارتباك السياسي الإيراني وتذبذبه، حتى وصل إلى ذروته، وبدأت طهران على لسان مسؤوليها وإعلامها بث فقاعات وتحليلات وقراءات ساذجة لا تخلو من الاشمئزاز. فتارة الرئيس الأميركي سيأتي لابتزاز السعودية، وأخرى لإعلان تحالف يهودي إسلامي لمحاربة الإرهاب وإيران، وتوالت القراءات السطحية على لسان من يدعون أنهم محللون ونقاد، لكن ماذا لو كانت زيارة ترامب الأولى إلى إيران، وما الذي كنا سنسمعه؟

بالتأكيد كان سيتم الحديث عن نصر إلهي جديد، بل ومن الممكن أن يكون على جدول المرشد الإيراني محادثات للتعجيل بظهور المهدي، لاسيما أن أميركا هي من يمنع ظهوره بحسب المقربين من خامنئي، ولكنا سمعنا عن حمامة السلام الإيرانية، ومساعيها لنشر المحبة والإخاء بين المذاهب والأديان، في النهاية سيتحول الشيطان الأكبر إلى «أخ أكبر».

الرئيس الأميركي، ومن خلال زيارته، اختار أقصر الطرق إلى عقل وقلب كل مسلم وكل عربي، وهذا بلا شك يسجل للسعودية التي واجهت حملة عنيفة مرهقة ومؤامرات للنيل منها، لكنها تصدت لجميع تلك المخططات وأفشلتها، بل وتجاوزتها بكل قوة، لم يرغم ترامب على زيارة السعودية، ولم يدفع لذلك بمؤثرات أو استعطاف أو بضغوط، بل كان خياراً استراتيجياً يؤكد عمق رؤيته لما يحدث في المنطقة ومن خلفه، على رغم أن الكثيرين لا يجدون فيه الرئيس المثالي، ولعل ما يعزز ذلك ضبابية صورته وقراراته التي اتخذها منذ توليه السلطة، لكن في المحصلة فإن الرجل يعتقد أنه يفعل ما يراه مناسباً لبلاده، حتى وإن لم يعجب البعض ممن تحولوا لأميركان أكثر من الأميركيين أنفسهم، وبدأوا يتباكون عليها.

داخل أميركا لا يعنيني كثيراً، فهو يبقى شأناً داخلياً، الأميركان أكثر قدرة على مناقشته، ما يعنيني هنا بعض أفكار ترامب التي لم تترجم بشكل واضح، فبالنسبة للملفات التي سيناقشها خلال 3 قمم ستشهدها الرياض يأتي الإرهاب في مقدمها بجانب اليمن وسورية والتهديدات الإيرانية، لكن الإرهاب تحديداً بحاجة للذهاب أبعد مما وصلنا إليه، فغالباً ما نتحدث عن إرهاب من طرف واحد، ويتم الاستشهاد بداعش كأبرز التنظيمات التي ترتدي «القميص السني»، لكن هذا التنيظم لا يحظى بدعم أي دولة سنية، بل إن الدول الإسلامية بقيادة السعودية أنشأت تحالفاً ضده، فيما سخرت الرياض علاقاتها السياسية وجهودها على مختلف الأصعدة للقضاء عليه، جاء ذلك في ظل السعي الإيراني مدعوماً بآلة إعلامية أقرب إلى «المرتزقة» تروّج للإرهاب بأنه سني، حتى وصل بعضنا إلى مرحلة استسلمنا فيها لفكرة أن «السنة» هم مصدر الإرهاب في العالم، وهذا ما سعت إليه إيران، وهو ما رسخته الإدارة الأميركية السابقة بترددها.

وهنا فإنني أود أن أشير إلى فارق جوهري بين الإرهاب الذي يرتدي القميص السني ونظيره الذي يرتدي الجلباب «الشيعي»، وهو أن الأخير له حاضنة شرعية، تمنحه الدعم الكامل بشكل مطلق وعلني، لذلك فهو أخطر وأكثر تعقيداً، وللأسف فإن جرائمه تستطيع المرور من بوابة «السياسة»، ولو مرحلياً أو على مضض، فإذا كانت جرائم داعش البشعة أثارت اشمئزازنا وحنقنا، فبماذا يمكن أن نصف جرائم الحشد الشعبي التي ارتكبها بحق المواطنين العراقيين من التمثيل بجثثهم إلى إحراقهم أحياء أو تقطيع أطراف أسراهم؟ بماذا نصف أكثر من 500 جماعة مسلحة تدعمها إيران في سورية والعراق تمارس التطهير المذهبي في المناطق التي تسيطر عليها؟ بماذا نصف حزب الله وما ارتكبه من جرائم بحق أبناء الشعبين اللبناني والسوري؟ وبماذا نصف الحوثي وما يرتكبه بحق الشعب اليمني؟

داعش تنظيم إرهابي، نحن أشد أعدائه، ونحن ندرك ذلك، لكننا أيضاً أشد أعداء الميليشيات المسلحة التي تدعمها طهران، استمعوا إلى حديث حسن نصر الله، ومن قبله خامنئي ووزراؤه ومستشاروه وقادة الميليشيات المسلحة والمتطرفة التي يدعمونها، لتدركوا حجم العداء الذي يكنونه للسعودية والعالم العربي من بعدها، بل استمعوا إلى مخططاتهم وإلى أهدافهم، لذلك فإن القضاء على داعش لن يقضي على الإرهاب طالما بقيت إيران تغذيه وتؤويه وتسعى لشرعنته.

ومن هنا فالمطلوب الضغط على الإدارة الأميركية لاتخاذ موقف واضح من الإرهاب، وعدم اختزاله في جماعة واحدة، فإن لم تهدد الجماعات الشيعية المدعومة من إيران -على غرار داعش- الغرب اليوم ستهدده غداً، وبالتالي لا بد من استئصاله، وليتم هذا علينا أن نقضي على رأس الأفعى.

زيارة ترامب لا شك في أنها تشكل نقطة تحول كبيرة في السياسة الأميركية، لكن في المقابل لا بد من الخروج منها بأقصى فائدة، لا أتحدث عن فائدة للسعودية، فهي دولة فاعلة في السلم العالمي ولها ثقلها الإقليمي والدولي والإنساني، بل أتحدث عن مصلحة الأمتين العربية والإسلامية التي تضطلع بها السعودية وتسعى لقيادتها إلى بر الأمان.