وحيد عبد المجيد
تنسجم الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة إدوارد فيليب مع الاتجاهات الأساسية التي تبناها الرئيس إيمانويل ماكرون في حملته الانتخابية، مثل تجاوز الانقسام التاريخي بين اليمين واليسار، وجمع معتدلي التيارين في إطار جديد، وضخ دماء جديدة من الشباب والمجتمع المدني.
تهدف الحكومة، التي رأس ماكرون أول اجتماعاتها الخميس الماضي، إلى الإعداد لمواجهة تحديات كبرى تبدأ في الانتخابات التشريعية التي ستُجرى في 11 و18 يونيو المقبل، إذ يحتاج الرئيس الجديد إلى تأمين غالبية مريحة من أجل تطبيق برنامجه الطموح لتشجيع الاستثمار وفتح آفاق جديدة في مجال الأعمال، وبالتالي تعديل قوانين العمل مع المحافظة على دور الدولة الاجتماعي والتزاماتها تجاه الفئات الأضعف في الوقت نفسه، وهذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ فرنسا من الوقوع في براثن قوى متطرفة تعزلها عن العالم.
يعرف ماكرون أن الصعوبات التي تعترضه لم يواجه مثلها أي رئيس سابق منذ شارل ديغول، فقد تغيرت الخريطة السياسية التي أنتجت برلمانات تكونت من أغلبية يمينية ومعارضة يسارية أو العكس. وأصبح عليه بناء تيار يتجاوز اليمين واليسار، ويجمعهما بطريقة خلاَّقة وليس عبر التوفيق السطحي أو التلفيق.
ولذلك أراد أن تقدم حكومته الأولى نموذجاً لكيفية بناء هذا التيار الوسطي العريض الذي يضم أطيافاً متعددة تعبر عن المساحة المجتمعية الواسعة التي تمتد من يمين الوسط إلى يسار الوسط. ولذا انهالت عليها منذ إعلانها اتهامات ضارية من اليمين المتطرف ممثلاً في حزب منافسته مارين لوبن «الجبهة الوطنية»، وحركة ميلونشون اليسارية المتطرفة «فرنسا المتمردة»، فالمواقف التي يتبناها كل منهما تضعه خارج التيار العام الوسطي الذي يسعى ماكرون لاستنهاضه عبر التنسيق بين القوى التي تدخل في إطاره لخوض معركة انتخابية صعبة الشهر المقبل، لكن هدفه الأبعد ليس مجرد تقليص تمثيل اليمين واليسار المتطرفين في البرلمان الجديد، بل جذب أكبر عدد ممكن من أنصارهما عبر سياسات جديدة تعالج أزمة المؤسسات الديمقراطية التي تجمدت، وتمكنها من استيعاب الغاضبين الذين يعبرون عن استيائهم عبر التطرف يميناً أو يساراً. وكانت هذه إحدى أهم الرسائل المتضمنة في خطاب النصر الذي ألقاه ماكرون بعد نحو ساعتين على إعلان فوزه في 7 مايو الجاري، إذ وعد بأن يبذل قصارى جهده لإزالة الأسباب التي تدفع إلى الغضب والتمرد.
ويراهن ماكرون على أن يكون النموذج الذي تقدمه طريقة تشكيل الحكومة الأولى في عهده أساساً لتيار جديد عريض متعدد الخلفيات والانتماءات والأفكار، لكنه يعمل في اتجاه واحد لإنقاذ فرنسا وإعادة بناء مؤسساتها، لكن نجاحه في تقديم هذا النموذج يتوقف على مدى كفاءة الوزراء الذين يُمثلون مختلف أطياف الوسط الفرنسي. تضم الحكومة أعضاء معروفين في الحزبين اللذين كانا في صدارة الساحة السياسية، حزب الجمهوريين الذي اختار منه رئيس الحكومة وعدد من أهم الوزراء في مقدمتهم وزير الاقتصاد برون لومير، والحزب الاشتراكي الذي جاء منه وزير الخارجية جان إيف لودريان، ووزير الداخلية جيرار كولومب. كما تتضمن شخصيات بارزة في المجتمع المدني، أبرزهم الناشط في مجال البيئة وصاحب الشعبية الواسعة «نيكولا أولو» الذي عُين وزيراً للبيئة والتضامن، وبطلة المبارزة المتوجة بخمس ميداليات أوليمبية «لورا فليسيل» وزيرة الرياضة، ومديرة دار النشر الكبرى «أكت سود» فرانسواز فيرسين وزيرة الثقافة، والخبير ذو الأصل العربي منير محجوب وزير المعلوماتية.
ويتيح وجود هذين الأخيرين في وزارتين مهمتين فرصة لتوسيع نطاق العلاقات الفرنسية العربية في قطاعي الثقافة والمعلومات اللذين تزداد أهميتهما في العلاقات الدولية الراهنة. وإذا كان محجوب يعرف بحكم أصوله العربية مدى حاجة العرب إلى تحقيق نقلة في قطاع المعلوماتية، فالمعروف عن فيرسين اهتمامها بالثقافة العربية وحرصها على تدعيم ما فضاء «الفرانكو-آراب».
وإذا أضفنا إلى ذلك الصداقة التي تربط وزير الخارجية لودريان بدول عربية عدة، يصبح واقعياً التطلع إلى علاقات عربية فرنسية أقوى إذا وضعت دولنا الأكثر تأثيراً هذا الهدف ضمن أولوياتها في الفترة المقبلة. لقد اتخذ لودريان مبادرة أولى من جانبه عندما عين سفير فرنسا لدى لبنان إيمانويل بون مديراً لمكتبه، وهو الذي يعرف الملفات والقضايا العربية عن قرب. ولعله ينتظر الآن مبادرة من الدول العربية الحريصة على دعم العلاقات مع فرنسا، وكلما جاءت هذه المبادرة أسرع، كان أثرها أقوى وأنجع.
التعليقات