سمير عطا الله
ضُحى يوم السبت الماضي أنهيت في مطار شارل ديغول معاملة التوجّه إلى الطائرة المسافرة إلى نيويورك، وشرعت في التقدم نحو دائرة الجوازات، وإذا بعدد كبير من رجال الأمن يظهرون فجأة ويصرخون فينا أن نعدو بسرعة إلى الخلف. الألوف منا.
وبعد قليل أُعلن أن ثمة حقيبة بلا صاحب يصار إلى التحقيق في أمرها. دام الانتظار ساعتين. الأطفال يبكون، والكبار منهكون، والمضغوطون بحاجات النفس يخافون الانهيار. عندما وصلت إلى نيويورك وركبت سيارة التاكسي، اكتشفت من الإذاعة أن آلاف مطار باريس كانوا أسعد حظاً بكثير من مارة «جسر لندن» تلك الآونة: شاحنة للدهس، لا حقيبة مجهولة، تكتفي بزرع الرعب وتعذيب الأطفال وتأخير آلاف المسافرين.
الإرهاب ليس مصادفات. فيما تتساءل بريطانيا إن كان من الأسلم لها البقاء في أوروبا، أو إقرار طريق الخروج، تكرر في لندن ما حدث في مانشستر قبلها بأيام: لا جدوى من الخروج، ولا حماية في البقاء، وبراءة الناس لا تشكل حماية لهم من ظواهر التوحش. لم تفعل ذلك في الماضي، ولن يحدث ذلك اليوم.
الأكثرية الساحقة من ضحايا الموصل، أو حمص، أو حلب، أو حماة، أو لندن، أو برلين، أو نيس، من المدنيين أبرياء صدف أنهم كانوا هناك ساعة صدور الأوامر بالقتل. آخر شيء يفكر فيه القاتل هو الضحايا وأحزان أهاليهم وعذابات ما يتأتى. «البريكست» خطوة متأخرة جداً في عالم تنهار فيه أشكال الدولة وتتساقط أهمية الحدود. مفجِّر مانشستر لم يأت من ليبيا، بل من مانشستر. ولم يتعرف إلى «مديره» في درنة أو طرابلس، بل في مانشستر، بينما كان أقرانه الذين قتلهم يعشقون الموسيقى ومباريات فخر المدينة «مانشستر يونايتد»، كان مروضوه يعلمونه أن الفرح عار، والفضيلة المضاعفة هي أن تموت قاتلاً: كلما ازداد عدد الضحايا كبر الفوز. دعك من نتائج «مانشستر يونايتد»، ففيها عمل وتعب وإرهاق ثم إن الفوز غير مضمون. الحزام السحري قمة الفردوس.
هذه حرب قد تطول، لأن ضحاياها سهلة وكلفتها قليلة ولا مكان فيها للرحمة، أو العقل، أو المنطق. التونسي في برلين، أو الليبي في مانشستر، أو الشيشاني في موسكو، ليسوا أبناء هوية محددة، أو انتماء معروف، إنهم نتاج ظاهرة عدمية مرحلية ليست الأولى في التاريخ. من قبل هاجم النازي لندن وهي ساكنة تطلب مودته.. . . .
التعليقات