وليد شقير
الانطباع الذي تركته ممارسات ومواقف داخلية حيال النازحين السوريين في لبنان منذ أسبوعين، وبث أفلام يتعرض فيها نازحون للتعنيف من قبل لبنانيين، هو أن السوريين سواء كانوا موالين للنظام أم معارضين له، توحدوا في وجه بعض المناخ اللبناني المعادي لهم.
وإذا كانت الأمور اختلطت بين العمليات الأمنية ضد المجموعات الإرهابية التي تتلطى ببعض مخيمات النازحين، وبين ممارسات أمنية فرضت طغيان صورة عدم التمييز بين النازح والإرهابي، فإن المشاعر العنصرية المتنامية عند مجموعات لبنانية في المجتمع وفي المؤسسات، حيال النازحين، سهّلت هذا المزج وأطلقت العنان للعصبيات المريضة، بالتزامن مع حملة سياسية إعلامية لإعادة النازحين إلى سورية، لم يكن هدفها الفعلي إلا دفع السلطات اللبنانية إلى التواصل مع النظام السوري بهدف التسليم بشرعيته.
مفعول هذا الهدف السياسي كان تأجيج مشاعر العداء. ولا يحتاج المرء إلى دليل على أن تحقيق مآرب النظام تسبب منذ 6 سنوات ونيف بالأضرار والمآسي للسوريين. إلا أن اللبنانيين بدورهم سقطوا ضحية ذلك. وهي ليست المرة الأولى طبعاً. تنبه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي ينتمي إلى الفريق الملح على إعادة النازحين، إلى ضرر الحملة فقال إن حل أزمة النزوح لا يكون بنشر الكراهية.
لتنامي هذه المشاعر الذي يفاقم الحساسية بين الشعبين، عوامل كثيرة في ظل الوضع الاقتصادي اللبناني الصعب، والفوضى الإقليمية. منها إطلاق الحملة السياسية الإعلامية أيضاً، تحضيراً من «حزب الله» للتخلص من المسلحين التابعين لـ «النصرة» و «داعش»، في جرود عرسال، بعملية عسكرية، أثارت المخاوف من أن يدفع مدنيو مخيمات النزوح فيها وأهالي عرسال، ثمناً جديداً بتهجير آخر.
وهي عملية أغراضها السياسية أبعد من مواجهة الإرهاب ومجموعاته، تتعلق بحاجة ايران إلى استكمال اقتطاع منطقة النفوذ التابعة لها في الميدان السوري، من دمشق ومحيطها إلى منطقة القلمون، في سياق التقاسم مع روسيا وأميركا وتركيا للكعكة السورية. وليست المرة الأولى التي يدفع فيها السوريون واللبنانيون بمن فيهم رموز السلطة اللبنانية، أثمان أهداف متصلة بالصراع الإيراني- الأميركي. فالحاجة الإيرانية للسيطرة على هذه المنطقة تتعدى تطهير الحدود من هؤلاء المسلحين.
قضى الاتفاق الأميركي- الروسي على المنطقة الآمنة في جنوب غربي سورية، بإخراج إيران منها وإبعادها من الحدود مع الأردن ومع الجولان المحتل من قبل إسرائيل في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء. انكفأت الميليشيات الإيرانية و «حزب الله»، منها وبقيت في بعض محافظة القنيطرة. والتفاوض يدور على انسحابها إلى ما بين 30 كيلومتراً عن حدود الجولان (كما يطالب الأميركيون) أي إلى محيط دمشق الإدارية في سعسع، و50 كيلومتراً كما يطالب الإسرائيليون، أي إلى غرب دمشق.
وأبعد الأميركيون الإيرانيين من الحدود العراقية- السورية عند معبر التنف والمثلث الأردني العراقي السوري وفي محيطه حين حاولوا التقدم مع «الحشد الشعبي» العراقي، (بحجة انتهاء معركة الموصل والمشاركة في المعارك مع «داعش» في الرقة). كما أبعد الأميركيون وبغض نظر روسي، الميليشيات الإيرانية عن البادية السورية التي تقود إلى تدمر ودير الزور، ثم الرقة...
وحال كل ذلك دون استثمار إيراني بالانتشار على مساحات كبيرة من الأرض السورية بعد 6 سنوات من القتال الذي خاضوه دفاعاً عن نظام بشار الأسد، في وقت تصاعدت حملة إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد التدخل الإيراني في سورية وغيرها وصولاً إلى العقوبات ضد قيادات في «الحرس الثوري» التي صدرت قبل 3 أيام، بتهمة رعاية الإرهاب... بل أن الأميركيين زادوا قواعدهم في سورية تدريجاً من دون الإعلان عنها إذ باتت 7 قواعد، مرشحة لأن تصبح 12 قاعدة.
ترمي طهران من وراء تمهيد «حزب الله» لعمل عسكري في الجرود إلى استكمال السيطرة على غرب دمشق والقلمون المحاذية للبنان (وهي متصلة بالطريق نحو حمص وريفها حيث لها قوات) وإلى ضمان طريق الإمداد بالسلاح للحزب بين طهران وشرق لبنان وجنوبه.
والإمداد الإيراني يتم بثلاث طرق: جواً من طريق مطار دمشق والمطارات العسكرية المحيطة بالعاصمة. براً عبر العراق، الذي حال دونه الأميركيون حتى الآن من دون استبعاد مواصلة طهران محاولتها فتحه. وهناك خيار ثالث في حال تعذر الطريقين الأولين، هو أن يتيح تصاعد الخلاف الأميركي- التركي حول دعم واشنطن الأكراد في شمال سورية، واستمرار احتضان واشنطن فتح الله غولن، لإيران استخدام طريق بري من الحدود مع تركيا وصولاً إلى الساحل السوري، (سبق أن تم استخدامه على رغم طوله) ومنه إلى القلمون، ثم لبنان.
فما علاقة لبنان وجيشه والنازحين بأثمان تلك الأهداف؟
التعليقات