سلمان الدوسري
في مطلع 2011 شهدت بلدة العوامية، شرق السعودية، أحداثاً إجرامية وشغباً صريحاً وحمل السلاح على الدولة استمر سنوات قبل أن يتحول إلى أعمال إرهابية صريحة. واجهت الحكومة السعودية هذه الأعمال الفوضوية، التي تستهدف أمن مواطني البلدة واستقرار الدولة، بالصبر تارة وطول الأناة تارة أخرى وبالحزم تارة ثالثة،
رغبة في عدم توسيع دائرة الضرر للأهالي، فمن أولى مسؤوليات الدولة ومهامها أن تكون المسؤولة عن توفير الحماية لمواطنيها، وشيئاً فشيئاً ضاقت دائرة الإرهاب على عناصره، وبعد أن كانت العوامية بغالبية أحيائها تحت خطر المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون، انحصر وجودهم في حي قديم متهالك، كانت الدولة قررت سابقاً تطويره وعوضت أصحابه قيمة منازلهم، يمكن القول إنه بعد نحو ست سنوات من ظهور هذه الجماعات أضحى حي المسورة الملجأ الوحيد الذي يستطيع الإرهابيون من خلاله ترويع الآمنين من أهل البلدة، بعد أن استغلت مبانيه القديمة المهجورة المتداخلة مع منازل المواطنين لتكون ملجأ للإرهابيين وتجار الأسلحة ومروجي المخدرات، أما ومع تضييق قوات الأمن الخناق عليهم، فإن قصة حزينة ومؤلمة من تاريخ الإرهاب في المنطقة توشك أن تغلق فصولها.
يحسب للحكومة السعودية أنها ماضية في تطوير الحي حتى مع استمرار أعمال القتل والترويع التي تقوم بها المجموعات المسلحة، فهي من جهة تؤكد عزمها على قطع دابر الإرهاب بالبلدة والقضاء على المتحصنين في المنازل المهجورة، ومن جهة أخرى تمضي في إنشاء مشروع نموذجي لأهالي البلدة ولأهالي القطيف بصورة عامة، هؤلاء الأهالي هم أنفسهم عانوا الأمرين من خطط المجموعات الإرهابية، الذين يتعمدون الوجود بين الأسر والعائلات بهدف استغلالهم واتخاذهم دروعاً بشرية، ومن ثم استهداف عمال المشروع وآلياتهم، إضافة إلى أفراد قوات الأمن وعدد من الأهالي الساكنين في محيط المشروع، بالقذائف المتفجرة والقنابل المصنعة محلياً والرصاص، وبلغت الأمور إجراماً لم تعرفه المنطقة قبل ذلك باستخدام الإرهابيين إحدى المدارس لتخزين الأسلحة والذخيرة، وكذلك تفخيخ عدد من المنازل المقرر هدمها ضمن مشروع التطوير، وعدد من المركبات المهملة داخل الحي لاستهداف مطوري المشروع والجهات الأمنية.
من يصدق أن تطوير الحي وتحويله إلى حي نموذجي بمشروع يعد أحد أهم المشاريع التنموية بالمحافظة، تترصد له مجموعة خارجة عن القانون وتحرم الأهالي من حقهم الطبيعي في أن تحتضن بلدتهم سوق نفع عامة، ومحلات تجارية ذات طابع تراثي، ومنطقة أثرية، ومركزاً ثقافياً، ومكتبة عامة، وصالة رياضية، وكافتيريات ومطاعم، وقاعات مناسبات للرجال وأخرى للنساء، ومجمعاً تجارياً، ومباني استثمارية، ونادياً نسائياً، ورياض الأطفال، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ولسنوات طوال وأضخم اتهام تواجهه الحكومة السعودية من قبل المنظمات الحقوقية الغربية، هو التمييز الذي تتعاطى فيه مع مواطنيها الشيعة، ومن ذلك أن بلداتهم لا تحظى بالاهتمام الكافي الذي تحظى به المدن والمناطق الأخرى، وبعيداً عن عدم صحة هذا الاتهام باعتبار أن المشكلة في السعودية ليس اهتماماً بمدينة دون أخرى بقدر ما هي مشكلة تتعلق ببنيوية الدولة، فإن الحكومة عندما أقرت تطوير حي مهمل وقديم تتمنى عشرات الألوف من الأحياء في المملكة أن تحظى بمثل ما يحظى به، أتى من يوقف عمليات التطوير بقوة السلاح، ولعل الأدهى والأمر أن هناك من برر لهؤلاء فعلتهم، وأعني جماعات حقوقية تصدر بياناتها وهي بعيدة آلاف الأميال عن العوامية، وتتهم السلطات السعودية بـ«تهجير قسري» للمواطنين، ولا أعلم ما الفائدة التي ستجنيها حكومة في العالم من تهجير مواطنيها من حي إلى آخر.
المكسب الأكبر للدولة السعودية في أحداث العوامية هو قدرتها على فصل الإرهابيين عن الأهالي، وعدم السماح بمنطقة ضبابية ممكن أن يخدع فيها من يطلقون على أنفسهم «ناشطين» أو تابعين لـ«حراك» ما باستغلال الأحداث سواء بحسن نية أو سوء نية. لقد أصبح الخارجون عن القانون معزولين عن الأهالي، كما هم معزولون في حي المسورة ينتظرون نهايتهم التي اقتربت.
التعليقات