البحر الأحمر والقحطاني والتيهاني: الدولة السعودية الرابعة

قينان الغامدي

مشروع البحر الأحمر الذي أعلن عنه نائب الملك الأسبوع الماضي لا يحتاج مني إلى إشادة أو توضيح، فقد احتفت به وسائل الإعلام العالمية فضلا عن العربية والمحلية أيما احتفاء، وهو جدير بذلك لا شك، ومن قبله مشروع «القدية» العملاق في المنطقة الوسطى، والسؤال الذي تبادر إلى ذهني، وأنا أتابع الأنباء والشروحات والتحليلات عن المشروع الأخير «البحر الأحمر» هو أين كنا طيلة العقود الماضية، فهذه الدرر في البحر موجودة من آلاف السنين، وستبقى بعدنا آلافا، فأين كنا منها كل هذا الوقت من عمر دولتنا الفتية!؟


والإجابة عن السؤال ليست صعبة، فقد كان ينقصنا القرار، إذ إن القيادة هي رائد التغيير، وهي أفضل من يقود
هذا التغيير، والقيادة هي المؤثر الأكبر بل الوحيد، وامتلاكها القرار وزمام قيادته هو الخيار الوحيد لتمخر سفينة الوطن بحر المستقبل آمنة مطمئنة واثقة من أن الربان قادر بإذن الله أن يوصلها بر الأمان بكل ما فيها ومن فيها!
أما تأخر القرار كل هذا الوقت فقد فسره كاتبان جميلان رائعان، أولهما سعود القحطاني (المستشار بالديوان الملكي - الذي كشف عن مواهب نثرية وشعرية ثرية ومتميزة، منذ سنين طويلة لكنه مقل..)، يقول القحطاني في مقال عميق وواع ومؤثر، نشرته صحيفة الرياض عام 2004 ويجري تداوله حاليا على وسائل التواصل تحت عنوان «الدولة الوطنية والشرعية الأيديولوجية!...»، والمقال كله مهم لكني سأكتفي باقتباس ما أراه كافيا للدلالة على موضوعه، وما يخدم الإجابة التي قدمتها على سؤال تأخرنا في قرار التغيير، يقول القحطاني: «في بلادنا، ومنذ مرحلة التأسيس وإلى اليوم، كانت هناك شرعيتان تستند عليهما الدولة في وجودها: الشرعية الأيديولوجية على المستوى النظري والإعلامي، وهذه الشرعية كانت سبباً لأزمات كثيرة تعرضت لها البلاد، وشرعية واقعية حقيقية تمثلت بقوة السلطة الحاكمة، وتلبيتها لحاجات المواطن، وإنجازاتها الملموسة والمشاهدة على أرض الواقع، وكانت الأسرة الحاكمة هي الرمز الذي تستند عليه هذه الشرعية في منجزاتها، وكانت هي - بحق - الشرعية الحقيقية التي حافظت على البلاد وبقاء وحدتها وتماسكها، وقد آن لهذه الشرعية أن تحل محل الشرعية الأيديولوجية على المستويين النظري والإعلامي، وذلك بهدف أن تكون الأمور واضحة للجميع، وأن يقطع الطريق على مزايدة المزايدين في الأيديولوجيا، الذين علمتنا التجارب، أن قيمة مزايدتهم كانت باهظة على الوطن والمواطن في آنٍ واحد» انتهى.
والأمر الآن يبدو واضحا، فقرار التغيير ليس مرتجلا ولا للتجريب كما ظن البعض، وإنما منطلق من وعي ومعرفة، وإصرار على تكريس شرعية الحكم، وجدارته بقيادة دفة التغيير، وهو إصرار انطلق من الوعي بفداحة الزمن المهدر في ظل تلك الشرعية الأيديولوجية الممانعة لكل تطوير أو تغيير، والتي تساءل الزميل الدكتور 
أحمد التيهاني في مقال بديع نشرته «الوطن» الأسبوع الماضي تحت عنوان «ماذا لو أننا تجاوزنا سنوات الممانعات؟»،..... وسأكتفي - أيضا - باقتباس ما يخدم إجابتي أعلاه، يقول التيهاني «أتساءل: كيف ستكون الحال في المملكة العربية السعودية لو أنها لم تمر – تاريخياً – بما سُمي «الصحوة»؟ 
وكيف ستكون الحال لو أن وطننا العظيم قفز متجاوزاً أربعين عاماً من الرفض، والحذر، والممانعات، والاحتجاجات، والضغوط، والتهويلات، والاسترضاءات، والتصنيفات، والتشرذم التياري، وابتكار الحجج الواهية الرافضة لكل انفتاح، والواقفة في طريق أي خطوة تهدف إلى مسايرة ركب الحضارة الإنسانية، أو الاقتراب منه على الأقل؟
وكيف ستكون الحال، في وطن يسكننا قبل أن نسكنه، لو أننا نجحنا في تحويل السلفية بوصفها فقها قابلا للتجديد وتطبيق «فقه الواقع»، إلى داعم يدفعنا إلى الأمام، عوضاً عن أن يستغلها ذوو الأهداف الأممية غير الوطنية استغلالا مُخاتِلا لتكريس أسباب رفض الجديد بأشكاله المادية والمعنوية كلّها؟» انتهى.
والآن وقد اتضحت الأمور وبدأ موكب التغيير يشق طريقه نحو الغد بقوة ووعي، لابد أن أقول بثقة إن محمد بن سلمان يؤسس فعلا للدولة السعودية الرابعة، مستلهما جسارة جده المؤسس، وحكمة والده وأعمامه الملوك، ومستندا إلى وطن عظيم تاريخا وجغرافية وإنسانا.