& سمير عطا الله

&

تكتب، منتقداً، طوال زمن، ثم تتوقف عن النقد فتكون ردة الفعل لدى الآخرين: لماذا تغيرت؟ لقد تغيرت لأن الرجل تغير. وأنا كنت أكتب كل هذا الوقت من أجل أن يتغير. وأكتب لأنني مواطن في هذه الأرض، وكلما قل فيها الشر والخراب، شعر أهلها جميعاً بالطمأنينة. والمؤسف أن عدوى الشر أسرع وأوسع وأعمق من عدوى العدل، سواء في الإنسان أو في الطبيعة. لاحظ كيف يتجاوب الإنسان مع نداء التخريب والتحطيم، وكيف لا يخرج عشرة متظاهرين من أجل موضوع إنساني. لاحظ عدد الذين يتبرعون بدمائهم للمرضى، وعدد الذين يسفحون دماءهم من أجل سفح دماء الآخرين. ولاحظ كيف تلحق الرياح الهادئة بالرياح العاصفة ملبية نداء الإعصار بلا تردد.


أعلن هنا أنني غيرت طريقة الكتابة عن الرجل الحاكم في بيونغ يانغ. ليس أنا من تغير، فما أنا إلا محبّر، لكن الذي تغير هو، ذلك الفتى المبجّل، الزائد السمنة والمنتفخ الأوداج، الذي نزل فجأة عن منصة مراقبة الصواريخ وذهب إلى أبناء عمه في الجنوب، وقرر الحوار مع عدوه الأميركي، وطمأن جاره الياباني.


هذا أول «انقلاب» يستدعي الترحيب. العالم كله مندهش وغير مصدق، لكن حفيد كيم إيل سونغ بدأ يفكك علناً إرثاً من العبث. سوف يتوقف عن تطوير القوة النووية التي لا يستطيع استخدام ذرة منها إلا ويهدد بلده برمته بالرماد. وبدل إطلاق الصواريخ على اليابان، سوف يطلب منها أن تعلمه صناعة السيارات، كما فعلت جارته الجنوبية. وبدل أن يدير أبواق الحرب صوب سيول، سوف يطلب منها أن تشركه في دخول عالم الصناعة والتطور والعلم والكفاية وصد المجاعات.


ربما ليس غداً، ولا بعد غد. لكن العالم قد يكون أمام بداية تجربة كونية مثل تلك التي حدثت في ألمانيا عندما دفعت الغربية 400 مليار دولار من أجل دمج ألمانيا الشرقية. وقد عادت برلين الشرقية إلى الوحدة، تاركة خلفها جدارها وأبواقها الدعائية، وسيارتها المضحكة «ترابانت» لكي تنضم إلى الغربيين في صناعة «المرسيدس» و«البورشه» والكهرباء الرياحية و«إسبرين باير».
شيء شبيه جداً سوف يحصل بين شمال وجنوب كوريا. ولن يضحك العالم، أو يخاف، عندما يرى صور كيم جونغ أون محاطاً بضباطه المسنين ذوي القبعات الوسيعة الدائرة. على الأقل جزء من هذا العالم يتجه نحو العقل والواقعية والحياة. وبدل أن تصدر كوريا الشمالية إلى العالم خطب المؤسس كيم إيل سونغ، سوف تنضم إلى جارتها الصين التي أوقفت تصدير «الكتاب الأحمر» لكي تصدر أهم تطور صناعي في التاريخ.

&