مسلم الرمالي

إذا لم نستطع تسويق نشاطنا الإنساني الواضح في مناطق الحروب والكوارث الطبيعية، فكيف بالإمكان أن نقنع إعلامياً العالم بعدالة قضايانا ومنطقيتها؟!

لو افترضنا أنك عزيزي القارئ تقدم مساعدات إنسانية وإغاثية للشعوب المنكوبة في العالم بدافع منطلقاتك الدينية والإنسانية والأخوية، ولكن رغم حجم هذا العمل الإنساني النبيل تتفاجأ بأن تفاصيله لا يعلم عنها إلا محيطك، ويقابل عالمياً وإقليمياً بحملات إعلامية لتشويه المساعدات وتسطيحها والتشكيك في شخصك ونواياك، بالإضافة إلى إصدار تقارير سلبية من المنظمات الأممية. 
ألا تلاحظ وجود خلل ما؟ إذا ابتعدنا عن نظرية المؤامرة وحاولنا أن نشخص المشكلة، لعلنا نبدأ بالقول بأن الحملة الإعلامية والتسويقية للمساعدات ضعيفة أو مركزة على محيطك فقط، أو قد لا توجد خطة إعلامية بالأصل لهذا الحجم الكبير من الإنفاق المالي الخيري. إذاً المشكلة في القصور الإعلامي والتسويقي! هل تتفق معي؟
دعونا ننتقل من الافتراض إلى الواقع ومن الفرد إلى الدولة. السعودية رائدة وقائدة في العمل الإنساني والإغاثي عالمياً، وتعتبر من أبرز القوى الخيرية عالمياً. ولو تحدثنا بالأرقام، فحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP الصادر عام 2016، تجاوزت السعودية نسبة المساعدات المستهدفة من الأمم المتحدة والتي تقدر بـ0.7%، ونالت المركز الأول عالمياً بالمساعدات الإنمائية الرسمية بنسبة 1.9% من إجمالي دخلها القومي. وفيما يتعلق بالدول المانحة حصلت السعودية على المركز الرابع عالمياً. وخلال الأربعين سنة الماضية تجاوز حجم الإنفاق السعودي على المساعدات الإنسانية 139 مليار دولار استفادت منها حوالي 100 دولة.
مركز الملك سلمان منذ تأسيسه في مايو 2015 حتى منتصف ديسمبر 2017 قدم حوالي 900 مليون دولار، ونفذ أكثر من 257 مشروعاً إنسانياً منها الإيواء والصحة ودعم العمليات الإنسانية والأمن الغذائي استفاد منها أكثر من 100 مليون إنسان في 37 دولة منكوبة.
مؤسسة الملك عبدالله الإنسانية نفذت من عام 2015 حتى 2017 ثمانية برامج دولية مركزة في 17 دولة استفاد منها أكثر من 6 ملايين إنسان، شملت المنح الدراسية والعيادات الصحية المتنقلة ومكافحة وباء إيبولا في دول غرب إفريقيا، والإيواء للنازحين واللاجئين وغيرها من الخدمات الإنسانية. 
وقس على ذلك من المؤسسات الخيرية السعودية المتعددة التي تقدم خدماتها الإنسانية والخيرية للشعوب المنكوبة، جنباً إلى جنب مع الموقف الرسمي السعودي. ولكن الغريب.. كل هذه المليارات والمشاريع والجهود الجبارة والعمل الإنساني يقابلها قصور في إعلامنا الخارجي في تسويق هذه المبادرات الإنسانية وتقديمها للرأي العام العالمي، وتشكيل صورة ذهنية عالمية إيجابية عن السعودية ودورها الإنساني الريادي في الوقوف مع الشعوب المنكوبة بالأرقام والأفعال الميدانية!
بين حين وآخر تصدر تقارير من الأمم المتحدة وتصريحات سلبية تجاه السعودية يفترض أن يفندها ويبددها حجم الإنفاق الإغاثي الدولي السعودي والمبادرات النوعية في إيصال مساعداتها إلى مستحقيها، وفق برامج إنمائية وإنسانية، لكن لم نجد مبادرات تسويقية وإعلامية توازي هذا الحجم من الإنفاق الخيري. 
وهنا أتساءل إذا لم نستطع تسويق نشاطنا الإنساني الواضح والجلي في مناطق الحروب والكوارث الطبيعية والإنسانية، فكيف بالإمكان أن نقنع إعلامياً المنظمات الدولية والرأي العام العالمي بعدالة قضايانا ومنطقيتها؟! وفي ظل هذا القصور تأتي مبادرة نوعية أعلنت عنها وزارة الثقافة والإعلام في نهاية أغسطس 2017 تتمثل في إطلاق «مركز التواصل الدولي»، وهي مبادرة يتوقع منها أن تسد هذا القصور وتحقق نتائج إيجابية إذا حظيت بالتخطيط المناسب واستقطاب الكفاءات الوطنية المؤهلة! وبجانب هذا التفاؤل، أقترح أن تشكل لجنة استشارية عليا تهدف إلى تصحيح الصورة الذهنية للدولة عالمياً.