أحمد يوسف أحمد
شهدت إيران في الأيام الأخيرة أحداثاً خطيرة بكل المقاييس، ووجه الخطورة فيما جرى أنه مؤشر ولو جزئي على فشل المعادلة التي يقوم عليها النظام الإيراني الذي يريد أن يبدو في صورة المستجيب لطموحات شعبه والملبي لاحتياجاته الأساسية في الوقت الذي يتبنى فيه مشروعاً إقليمياً للنفوذ والهيمنة في محيطه الخارجي بدوائره المتعددة، وبصفة خاصة خليجياً وعربياً.
والمعنى الأول المباشر لهذه المظاهرات التي تفجرت أساساً لأسباب اقتصادية أن ثمة خللاً في المعادلة بين الداخل والخارج، وعندما يهتف المتظاهرون ضد السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، فهم لا يفعلون هذا حفاظاً على استقلالنا ولكن لأنهم يعتبرون هذه السياسة سبباً مباشراً في معاناتهم. ووجه الخطورة في أعمال الاحتجاج التي اندلعت أنها تتجه رأساً إلى الرقم الثاني الذي يعنينا في المعادلة وهو الدور الإيراني الهادف إلى الهيمنة في المنطقة، ويعني هذا أنه كلما قويت حركة الاحتجاج مثّل هذا قيداً أكبر على السياسة الإيرانية التي ألحقت الضرر بنا. والأخطر أن أعمال الاحتجاج الأخيرة بدأت بالمطالب الاقتصادية، ثم اتخذت طابعاً سياسياً انطلاقاً من المنطق السابق لأن سياسة فرض النفوذ والهيمنة تأكل الموارد الإيرانية التي كان بالإمكان توظيفها للاستجابة للمطالب الشعبية، والأكثر خطورة أن أعمال الاحتجاج طالت جوهر شرعية النظام الإيراني، إذ وصل الأمر إلى الهتاف بسقوط المرشد والرئيس معاً، أي أنه لا يمكن تفسيرها بمصطلحات التناقض بين المحافظين والإصلاحيين، بل قيل إن شعارات متعاطفة مع حكم الشاه قد ترددت في سياق أعمال الاحتجاج.
سارع البعض إلى اعتبار هذه الأعمال علامة النهاية للنظام الإيراني، ورغم الخطورة الحقيقية لهذه الأعمال، فإن هذا البعض ربما يكون قد خلط بين التمني والواقع، أو لعله لا يدرك مدى تعقد آليات انهيار النظم الحاكمة من ناحية وآليات حفاظ النظم الاستبدادية على بقائها من ناحية أخرى، ولنتذكر من التاريخ الحديث مثلاً العملية الممتدة عقوداً طويلة لانهيار الدولة العثمانية (الرجل المريض)، التي لم تتفكك إلا بعد حرب عالمية كبرى. ولنتذكر كمثال آخر أن النظم الحاكمة التي أسقطتها موجات ما سُمي «الربيع العربي» قد ناضلت المعارضة فيها عقوداً حتى حققت بعض أهدافها بإسقاط الحكام وليس النظم، كما أن النظم الاستبدادية لديها من الآليات ما تستطيع توظيفه للحفاظ على بقائها، وهي آليات يمكن أن تنجح ما دامت بقيت لها قواعد قوة اجتماعية كما فعل النظام الإيراني بتسيير مظاهرات حاشدة مؤيدة في مواجهة الجماهير الغاضبة. ومن هذه الآليات أيضاً إبداء نوع من المرونة في الاستجابة لبعض المطالب الجماهيرية، كما فعل بعض الحكام في البلاد التي تعرضت لموجات المطالبة بالتغيير، ويمكن لهذه المرونة أن تمد في عمر النظم الحاكمة المرفوضة شعبياً لأوقات قد تطول، وقد كاد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في إدارته لأزمة احتجاجات يناير 2011 ينجح عندما وجه خطاباً متزناً إلى الجماهير لولا الخطأ الذي وقع فيه بعض أنصاره في اليوم التالي فيما عُرف بمعركة الجمل. والخلاصة أن سقوط النظم الحاكمة عملية فائقة التعقيد.
هل يعني ما سبق أن أحداث إيران تبقى بلا دلالة بالنسبة للمستقبل؟ الإجابة بالنفي بالتأكيد، أولاً لأنها تنير لنا الطريق لاستكشاف آلية جديدة لمواجهة سياسات الهيمنة التي يتبعها النظام الإيراني وهي التركيز على الجبهة الداخلية في التعامل مع السياسة الإيرانية، وذلك باتجاه تعميق الفجوة بين النظام وجماهيره بنسبة كل الصعوبات التي تواجهها إلى السياسات الخارجية غير الرشيدة للنظام، وهي آلية من شأنها إن نجحت أن تحدث أثراً أقوى من تصعيد التوتر الذي يمكن أن يعمل على توحيد الإيرانيين في مواجهة الخطر الخارجي. وثانياً لأنه بالنظر إلى وجود آراء تدعو لحوار بين الطرفين العربي والإيراني على أساس نِدي يستند لتوازن المصالح والبعد عن التدخل في الشؤون الداخلية فإن الأحداث الأخيرة تعطي للعرب وضعاً استراتيجياً أفضل في أي حوار مقبل.
التعليقات