هاني الظاهري

على الرغم من الضجة الكبيرة حوله لايعدو كتاب الصحفي الأمريكي مايكل وولف الجديد «غضب ونار» كونه تجميعاً بدائياً بسيطاً لمعلومات مقتبسة من مئات الأخبار والتقارير الصفراء التي نُشرت عن الرئيس دونالد ترمب خلال العامين الماضيين، حتى وإن زعم مؤلفه أنه حصيلة نحو 200 لقاء أجراها مع مسؤولين في البيت الأبيض، فالمتابع لمعظم أطروحات الدعاية السوداء التي استهدفت ترمب منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية حتى تاريخ صدور الكتاب لن يجد في الكتاب معلومة واحدة جديدة أو غير منشورة سابقاً في وسائل الإعلام الأمريكية، أي أنه ينضم بذلك آليا إلى قائمة كتب الفضائح الصفراء التي تُنشر لجني المال بشكل سريع، ولولا تصريحات وتغريدات ترمب عنه لما حصد تلك المبيعات المهولة، فالرئيس الأمريكي قدم بموقفه الحاد دعاية تاريخية غير مسبوقة للناشر والمؤلف والكتاب، وهو ما جعل بعض المحللين الأمريكيين يلمحون إلى وجود صفقة سرية بين الناشر ورجل الأعمال «ترمب» لا الرئيس، وهو أمر مستبعد لأسباب عدة مرتبطة بشخصية المؤلف وطبيعة الكتاب.

مؤلف الكتاب مايكل وولف صحفي أفنى عمره في مطاردة الأخبار الصاخبة وإصدار الكتب «المثيرة» التي تبحث عن أكبر رقم ممكن من المبيعات، وهو يبلغ من العمر اليوم 64 عاماً، أي أنه في مرحلة عمرية تعد بالنسبة لأي إعلامي في هذا العالم «مرحلة التهور لتحقيق أي إنجاز كبير يخلد اسمه قبل فوات الأوان»، وهو إلى جانب ذلك مهووس باتباع الأساليب الدعائية الملتوية التي لاتتفق مع شخصية الصحفي الرصين، وقد يعود هذا إلى نشأته في أسرة كانت تحصد قوت يومها من الدعاية والإعلان، فوالده بحسب المعلومات التي اطلعت عليها عن سيرته كان رجل دعاية فيما كانت والدته مراسلة صحفية، ومن هنا يمكن فهم الدواعي الحقيقية لإصداره الذي يفتقر إلى التحليل والموثوقية بشكل عام رغم نجاحه الكبير.

أيضا من يعرف كيف تسير الأمور في أروقة الإعلام الأمريكي يدرك أن دور النشر التجارية تصرف أموالا طائلة على الصحفيين ومعدي التقارير التلفزيونية لتسويق إصداراتها من خلال نشر مئات الأخبار واللقاءات والتقارير المثيرة عن الإصدار قبل وبعد نزوله إلى الأسواق، وهذا ما حدث مع كتاب «غضب ونار» الذي حظي فوق ذلك بدعاية رئاسية غير مقصودة.

شخصيا يذكرني هذا الكتاب بكتاب أقدم أصدره المخرج الأمريكي البدين «مايكل مور» مطلع الألفية الثانية بعد تولي جورج بوش الابن منصب الرئاسة تحت عنوان «رجال بيض أغبياء»، أثار ضجة كبيرة حينها مشابهة للضجة الحالية جعلت بعض وسائل الإعلام الأمريكية تشير إلى أنه سيتسبب في سقوط إدارة بوش الابن سقوطا مدويا، ومع ذلك حظي بوش بفترتين رئاسيتين ولم يغادر البيت الأبيض إلا عام 2009م، وهذا ما سيحدث مع إدارة ترمب أيضا حسب ظني.