جويس كرم
الرئيس الأميركي غير قادر على تمالك نفسه. يصرخ بمساعديه، يتناول البرغر مع «دايت كوك» في سريره، يرمي ثيابه على الأرض، يعتقد أنه نابغة وتزعجه تفاصيل الاستراتيجيات السياسية سواء كانت حول ملفات ترتبط بملايين المهاجرين في أميركا أو البرامج النووية لكوريا الشمالية وإيران.
هذه التفاصيل بعضها يرد في كتاب مايكل وولف «النار والغضب»، إنما حقيقةً لم تكن هناك حاجة إلى الكتاب لتوثيق هذه الأمور. تصرفات رئيس الدولة العظمى منذ اليوم الأول له في المكتب البيضاوي تعبّر عن شخصية فوضوية، غير ملمّة لا بالسياسة ولا بالحنكة الديبلوماسية، ولا حتى أصول التحدث. وهذه التصرفات هي اليوم العدو الأول لأجندة ترامب، بالنظر إلى حجم الإخفاقات التي تترتب عملياً على السياسات الحقيقية بعد زلات لسان الرئيس.
الطبع غلب التطبع في أداء ترامب في العام الأول في الحكم، وها هو يشهّر بشعوب أفريقيا وهايتي والسلفادور هذا الأسبوع بعد تجريحه بالمسلمين وبخصومه في الكونغرس، وبنساء تحدينه في الإعلام الأميركي قبلاً. ترامب يظن أنه ما زال في عالم الترفيه، وأن بإمكانه مثلاً التعاطي مع دول وشعوب كما كان يتعاطى مع نساء رفضن معاشرته، فيهين ويسرّب أخباراً كاذبة أو يغرّد ضدهن. هذا الأسلوب لم ينجح في البيت الأبيض وشعبية الرئيس لا تتخطى الـ٣٧ في المئة، على رغم أن الاقتصاد الأميركي في أحسن حالاته منذ سنوات وأرقام البطالة هي في أدنى مستوى لها منذ عقود.
شعبية ترامب هي في مستوى شعبية ريتشارد نيكسون في أوج فضيحة «ووترغيت» التي أدت إلى استقالة الأخير. وهو بات مصدر القلق الأول للجمهوريين في انتخابات الكونغرس. إذ بعد خسارات نيو جيرسي وفيرجينيا وألاباما في الأشهر الأخيرة، تتلاحق أسماء النواب الجمهوريين الذين أعلنوا نيتهم التقاعد. ٢٩ نائباً جمهورياً سيتقاعدون، بينهم اللبناني الأصل داريل عيسى ورئيس لجنة العلاقات الخارجية أد رويس وغيرهم، في شكل يضع الديموقراطيين على عتبة الفوز بغالبية مجلس النواب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وفتح إمكان بدء تشريعات لعزل ترامب من الحكم.
إخفاقات ترامب عملياً هي كنز سياسي للديموقراطيين. فبإهانته الأقليات والمهاجرين، يقلص ترامب يومياً رقعة التنافس الانتخابي لليمين ويصوّر الحزب وكأنه معني فقط بالرجل الأبيض ومعادٍ للأقليات والنساء. هذه العزلة كلفت الجمهوريين انتخابات ألاباما في الجنوب والتي خسروها للمرة الأولى منذ ١٩٩٢، وقد تكلفهم في أريزونا ونيفادا وكاليفورنيا حيث الماكينة الديموقراطية تجمع التبرعات وتسجل الناخبين الجدد برفع شعارات ترامب.
خارجياً، الصين هي الرابح الأول من تخبط ترامب وإخفاقاته. فأمام كل زلة لسان لترامب حول الأفارقة أو أميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط، هناك عقد اقتصادي جديد للصين في تلك المناطق. فمن شبكة الاتصالات في كامل أفريقيا، إلى الشراكات الاقتصادية المتجددة مع باكستان ودول الخليج وإيران، وإلى الوجود العسكري المحتمل للصين في سورية وتعزيز العلاقة مع الأوروبيين (زيارة إيمانويل ماكرون)، ومع البرازيل وفي أميركا اللاتينية عموماً، تلعب بكين الشطرنج ببراعة وتنظر إلى الرزنامة فيما ترامب ملهيّ بتغريداته وأضاع رزنامته.
في الشرق الأوسط، يقول مسؤولون في الإدارة أن ترامب لا يكترث بتفاصيل الملفات المطروحة، سواء كانت تتعلق بالوجود العسكري في العراق وسورية أو تفاصيل استراتيجية التعاطي مع إيران. همه وعوده الانتخابية مثل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهزيمة «داعش» والمفاخرة بأنه ليس باراك أوباما. وفي حين يعني ذلك أن وزراء الخارجية والدفاع ومديري الاستخبارات ومستشاري الأمن القومي هم من يتابعون الملفات، إلا أن الرئيس بتغريداته وإخفاقاته يقضم من مصداقية الولايات المتحدة.
فوضى ترامب مرجحة للاستمرار، نظراً إلى عمر الرئيس الأميركي (٧١ عاماً) وروتينه ومزاجه المتقلب. قوة المؤسسات الأميركية وحرية الإعلام وتولي أركان الإدارة- وليس الرئيس نفسه- إدارة الشؤون الخارجية تعني أن الولايات المتحدة قادرة على تجاوز هوجائية الرئيس والتعاطي مع اتساع النفوذ الصيني في مرحلة لاحقة.
التعليقات