طلال عبدالكريم العرب

&

&عندما كتبنا سابقا متسائلين «لماذا استبدل بالشاه الخميني؟»، فلأن هناك أمرا جللا قلب موازين أمتنا المنكوبة، فأمتنا العربية هي الوحيدة بين أمم العالم التي حرّم عليها، بفعل فاعل، الولاء لأصولها ومنبتها وقوميتها، وأدخل في روع شعوبها أن الشعور القومي وحتى الوطني ربما يتعارض مع الإيمان بالدين كما يعتقد البعض، ويوصم كل من يجاهر بقوميته وينادي بها بالعلمانية أو بصفات أخرى، هذا ربما قسّم شعوب الأمة طائفيا، فما دام من الخطأ الولاء لقوميتنا فليس للبعض إلا الولاء إلى غيرها، وهذا الغير هو باعتقادي الولاء للطائفة!

فالشعوب العربية عاشت دهورا في وئام وسلام فيما بينها، بين المسلمين وسائر الأديان الأخرى، كما عاش المسلمون، سنة وشيعة، بلا حواجز ولا محرمات ولا تكفير، إلى أن تم حبك المؤامرة، بإثارة حرب عربية – إيرانية، وهذه المؤامرة لن تنجح إلا بقيام نظام تبرز فيه الطائفة بنشاط لكي يستدر عواطف الموالين، ولا بد في المقابل من قيام حاكم دكتاتوري في العراق يحلم بأن يكون قائدا للأمة العربية، توليفة لا بد منها، نجحت بدق أول إسفين بين أمتين عريقتين متجاورتين جمعتهما روابط تاريخية مشتركة ومصالح متبادلة، ففرقتهما الطائفية الكريهة والعنصرية البغيضة.


هذا الوضع الجديد أفرز مجاميع وأحزابا سنية وشيعية متباغضة متناحرة كل منها يدّعي أنه يملك الحقيقة الكاملة، فتحولت مع مرور السنوات إلى ساحة غارقة في دماء الشباب العربي، ومدمرة لمدن عربية بأكملها.
إلا أن ما يدعو إلى العجب والتساؤل هو: لماذا فقط الساحة العربية، فهناك كثير من الأمم المسلمة، سنية وشيعية؟ لماذا لم تنتشر الطائفية إلا في بلاد العرب؟ ولماذا إيران تحديدا تم الحفاظ عليها وحمايتها من أي ثورة أو نعرات طائفية وعنصرية دموية رغم هشاشتها؟ ولماذا سمح للنظام الإيراني بالتمدد وبإثارة النعرات وتشكيل الميليشيات التابعة له لتتدخل في بلاد العرب، ولم يسمح للعرب بالرد عليها؟


تنصيب الخميني على إيران وصدام على العراق تبعته حرب طويلة، أما غزو العراق للكويت فقد قسم العرب فيما بينهم، أما سقوط صدام ففتح الباب لإيران لاستكمال المخطط وهو تحول بعض شعوب العرب بولاءاتها تدريجيا عن قوميتها العربية وأوطانها، إلى الولاء للطائفة.
تأثير الفرز الطائفي دفع بعض العرب للتحول بولائهم للفقيه الإيراني رغم وجود فقهاء عرب يدينون بالولاء لقوميتهم، كما دفع بعض آخر من العرب للولاء للمرشد الأعلى، رغم وجود رجال دين عرب لهم وزنهم، أما بعض العرب فقد تحولوا بولائهم إلى الرئيس التركي الممثل في نظرهم للدولة العلية، مع أنه من الأفضل لمن يعيش هذا الحلم أن يعمل على عودة ورثة الحكم العثماني، وكان هذا الولاء واضحا لدى البعض في الكويت، فهناك نواب أمة أقاموا مأتما لعدو الكويت الأول عماد مغنية الموالي لإيران، وهناك نواب آخرون استهانوا بعلم الكويت، أما علم تركيا فوضعوه على رؤوسهم.
طبعا كل من تركيا وإيران سعيدتان بهذا الولاء فأتباعهما هم وقود حروبهما، إلا أن إيران هي الأكثر سعادة لأنها الأكثر مكاسب، أما اتباعها فقد استفادوا منها سياسيا وماديا وعسكريا، على العكس من أتباع حلم الدولة العثمانية، فهؤلاء لم يقبضوا منها شروى نقير، غير الوعود البراقة والشعارات الرنانة.


إنها حقيقة واقعة، فمعظم الصراعات السياسية سببها الشحن الطائفي، وتحول إلى صراعات دموية، دمرت خلالها مدن بأكملها، وهجر بسببها عشرات الملايين من أوطانهم، وخسر الملايين أرواحهم، وتم تجهيل معظم سكانها، حتى انهم الآن وكأنهم يعيشون في العصور المظلمة.
أمتنا العربية اليوم تندب حظها العاثر، فقد أصبح أبناؤها وقودا للحروب الطائفية، وضحايا لهيستيريا تستنجد بالتاريخ، وتتقاتل على من هو الأولى بخلافة هم أصلا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حتى ان هناك من صار ينادي بالثأر من شخصيات مر على موتها أكثر من 1400 سنة.
فكم نتمنى أن يتفكر اللاهثون وراء حلم الدولة الساسانية أو العثمانية، أن يعودوا إلى رشدهم، فلا التاريخ سيعيد نفسه، ولو أعاد نفسه فليتأكدوا بأنهم هم الخاسرون، فيومها لن تنفعهم طائفيتهم ولا ولاؤهم لغير أمتهم وأوطانهم.

&